في عالم الفن السوري، كثيرًا ما برزت أسماء نسائية صنعت بصمة عميقة لا يمكن نسيانها، ومن بين تلك الأسماء تلمع الأختان فيلدا سمور وليلى سمور، اللتان قدمتا أعمالاً درامية ومسرحية جعلتهما من الرموز البارزة في المشهد الفني العربي. ما يميز مسيرتهما ليس فقط الانتماء العائلي بل التفرد في الأسلوب والقدرة على تجسيد أدوار معقدة بأسلوب احترافي ومؤثر. تختلف البدايات وتتقاطع الرحلة بينهما، ولكن الحصيلة واحدة: عطاء فني غزير يعبّر عن موهبة وجهد متواصلين.
أقسام المقال
نشأة فيلدا سمور ومسيرتها المسرحية والتلفزيونية
وُلدت فيلدا سمور في 8 أكتوبر عام 1955 بمدينة حلب، قبل أن تنتقل إلى دمشق لتتابع دراستها وتشق طريقها الفني. نشأت في أسرة سورية محافظة، لكنها منذ نعومة أظافرها أبدت ميولاً فنية واضحة دفعتها نحو الأدب الإنجليزي الذي درسته في جامعة دمشق، مما ساعدها على إثراء خلفيتها الثقافية.
بدأت فيلدا مشوارها من المسرح القومي، حيث تنقلت بين التمثيل والإدارة، الأمر الذي أكسبها فهمًا دقيقًا لبنية العمل المسرحي وعمقه، وأسهم في بناء أسلوب أدائي متكامل. كانت البداية الدرامية عام 1976 مع مسلسل “البيادر”، ومنه انطلقت لتشارك في عشرات المسلسلات مثل “الزير سالم”، و”أيام شامية”، و”دقيقة صمت”، حيث كانت تتقن تجسيد المرأة الدمشقية التقليدية بواقعية لافتة.
قدمت فيلدا أدوارًا متنوعة في المسرح، مثل “مكبث” و”الحيوانات الزجاجية”، وشاركت في مهرجانات عربية ودولية، مما عزز مكانتها بين ممثلات الصف الأول. عرفت بانضباطها العالي واحترامها للمهنة، حيث كانت ترفض الأدوار السطحية وتبحث دائمًا عن النصوص ذات البعد الإنساني والاجتماعي.
البدايات الفنية والتعليم العالي للفنانة ليلى سمور
ليلى سمور، الأخت الصغرى، وُلدت في 22 نوفمبر 1962 بمحافظة السويداء، وظهرت عليها مبكرًا علامات الموهبة الفنية، فاختارت أن تصقلها أكاديميًا من خلال الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق. تميزت خلال فترة دراستها بالجدية والاجتهاد، حيث لمع نجمها منذ أيام المعهد بفضل أدائها المسرحي المتمكن.
دخلت عالم التمثيل عام 1990، لتشارك في عدد من الأعمال المسرحية ثم التلفزيونية التي لاقت استحسان النقاد، مثل “أهل الراية”، “طاحون الشر”، و”الغربال”. لكن دورها في مسلسل “باب الحارة” بشخصية “فوزية” كان الأشهر، حيث أضفى على العمل طابعًا شعبيًا خفيف الظل، وعلّق الجمهور على لسانها عبارات أصبحت متداولة في الشارع العربي.
انضمت إلى سلسلة “مرايا” مع الفنان ياسر العظمة، حيث تألقت في الأدوار الكوميدية والاجتماعية، وأثبتت أنها تملك قدرة فطرية على إضحاك الناس دون تكلف، مع لمسة من السخرية الهادفة.
الأختان سمور: شراكة فنية وروابط أسرية
رغم اختلاف الأسلوب الفني بين فيلدا وليلى، إلا أن الروابط العائلية شكلت نقطة تقاطع في حياتهما، حيث دعمت كل واحدة الأخرى في اختياراتها ووقفتا جنبًا إلى جنب في وجه التحديات. تشاركتا في بعض المسلسلات مثل “عشنا وشفنا” و”الخط الأحمر”، وكان حضورهما مشتركًا في المهرجانات والمناسبات الفنية دليلًا على متانة العلاقة بينهما.
ورغم ما أشيع عن وجود خلافات بينهما، نفت ليلى ذلك في أكثر من لقاء، مؤكدة أن تباعد الأماكن لا يعني فتور العلاقة، بل هو أمر طبيعي في ظل ظروف الحياة المختلفة. فيما أكدت فيلدا أنها تتابع أخبار أختها دائمًا وتفخر بنجاحها الفني.
الأثر الثقافي لفيلدا وليلى سمور في الدراما السورية
يمكن اعتبار فيلدا وليلى سمور من الأيقونات النسائية في الفن السوري، فكلتاهما أثرتا الدراما بمشاركات متنوعة ومعالجات فنية جادة لواقع المجتمع السوري. مثّلت فيلدا جيل الريادة في المسرح والدراما، بينما عكست ليلى روح المعاصرة والواقعية الاجتماعية في أعمالها.
ساهمت أعمالهما في إبراز قضايا المرأة السورية والشرقية، من خلال شخصيات قوية تعاني من القهر أو تسعى للتمرد، مما خلق تفاعلًا كبيرًا مع الجمهور وأعطى الفن بعدًا توعويًا.
اليوم، رغم غيابهما الجزئي عن الشاشة، لا تزال أعمالهما تُعرض وتُستعاد، حيث تدرس في الأكاديميات الفنية كأمثلة عن الأداء الحقيقي غير المتكلف. ويظل تأثيرهما حيًا في ذاكرة المشاهد السوري والعربي.
أدوار الأمهات وتأثيرها في وجدان الجمهور
اشتهرت فيلدا سمور بتجسيد شخصية الأم الصبورة والحزينة في عدد كبير من الأعمال، وقدرتها على إيصال مشاعرها بصدق جعلتها قريبة من القلوب، خاصة في أدوارها في “خاتون” و”أيام الدراسة”.
أما ليلى، فقد تفوقت في تجسيد الأم الشعبية البسيطة ذات النكتة الحاضرة، والتي تتحرك في حيّ شعبي مليء بالتناقضات، كما في شخصية “فوزية”. وقد ساهم هذا التنوع في تعزيز مكانتهما داخل بيوت المشاهدين، خصوصًا في الأعمال الرمضانية التي يتابعها الملايين.
استقرار ليلى في فرنسا وانعكاساته على مسيرتها
بعد انتقالها إلى فرنسا في 2017 للاستقرار مع زوجها المخرج جورج حداد، اختارت ليلى سمور الابتعاد مؤقتًا عن الأضواء والتركيز على حياتها الأسرية، لكنها لم تنفِ نيتها بالعودة متى سنحت الفرصة.
قالت في أكثر من حوار إنها تتابع الأعمال السورية بشغف، وإن الغربة عمّقت شعورها بالانتماء إلى الدراما التي صنعت اسمها، وقد بدأت فعليًا بالتفكير في مشروع فني جديد يعود بها إلى الشاشة.