قمر مرتضى ليست مجرد فنانة سورية عابرة في ذاكرة الدراما، بل هي أحد أعمدة الفن الأصيل التي تركت بصمة واضحة في قلوب الجمهور السوري والعربي. كانت تجربتها الفنية مليئة بالتحولات، أما حياتها الشخصية فكانت مليئة بالتحديات والقرارات الصعبة التي لم يعرفها كثيرون إلا في وقت متأخر من مشوارها. في هذا المقال، نغوص في سيرة قمر مرتضى بعيون فاحصة، نستعرض بداياتها الفنية، ونكشف عن تفاصيل حياتها الزوجية التي أثرت في وجدانها وأعمالها، ونتوقف عند محطات القوة والانكسار التي رسمت ملامح شخصيتها.
أقسام المقال
بدايات قمر مرتضى الفنية وشغفها المبكر
ولدت قمر مرتضى في العاصمة السورية دمشق عام 1940، وسط بيئة شعبية محافظة، حيث كانت الفنون مهنة غير مرحب بها للنساء. لكنها أظهرت منذ طفولتها ولعًا بالفن، فكانت تشارك في الأنشطة المدرسية وتُقلد الممثلات وتكتب مشاهد صغيرة لتمثيلها أمام عائلتها. شجعها أحد أساتذتها على دخول المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن هناك انطلقت رسميًا في مطلع الستينيات نحو مسيرة طويلة امتدت لعقود.
مسيرة قمر مرتضى بين الدراما والمسرح والدبلجة
لم تحصر قمر مرتضى نفسها في نوع معين من الفنون، بل تنقلت بين المسرح، التلفزيون، والإذاعة. شاركت في أعمال درامية أثّرت في الوجدان السوري مثل: “باب المقام”، “خان الحرير”، و”أهل الراية”. أما في المسرح، فقد كانت جزءًا من الجيل الذهبي الذي ساهم في تطوير الحركة المسرحية السورية من خلال أعمال جريئة وأدوار نسائية قوية. كما أن صوتها المميز جعل منها إحدى أبرز نجمات الدبلجة، حيث أدّت بصوتها أدوارًا في مسلسلات تركية وكورية أثارت إعجاب الجيل الجديد.
زواج قمر مرتضى والتحديات التي رافقته
تزوجت قمر مرتضى في سن صغيرة من رجل بعيد عن الوسط الفني، لكن الحياة الزوجية لم تكن كما تمنتها. كشفت لاحقًا في مقابلات إعلامية نادرة أنها عانت من معاملة زوجها القاسية، الذي لم يكن متفهمًا لطبيعة عملها، بل وصل الأمر إلى منعه لها من التواصل مع أبنائها. تقول قمر إنها حُرمت من رؤية أولادها سبع سنوات متواصلة، في واحدة من أشد التجارب قسوة على قلب أم وفنانة.
قمر مرتضى بين الأمومة والحرمان
الحديث عن حرمان قمر من أبنائها لم يكن أمرًا عابرًا، فقد شكل هذا الحرمان جرحًا مفتوحًا في شخصيتها، وكانت تسترجع لحظات الغياب والحنين في مقابلاتها بصوت متهدج ودموع خفية. ومع ذلك، استطاعت أن تحوّل مشاعر الألم إلى طاقة فنية، حيث جسدت أدوار الأمهات المقهورات بطريقة تلامس وجدان المشاهد، ربما لأنها استلهمتها من واقعها الأليم.
العودة الفنية لقمر مرتضى بعد الغياب
بعد فترات انقطاع طويلة فرضتها ظروف الحياة، عادت قمر مرتضى إلى الساحة الفنية بقوة في أواخر التسعينيات. شاركت في أعمال جديدة وأعادت اكتشاف نفسها كممثلة ناضجة قادرة على تقديم الأدوار المركبة. جمهورها القديم رحّب بها بحفاوة، بينما تعرّف عليها الجيل الجديد عبر شاشات الدبلجة والمسلسلات الاجتماعية التي لاقت رواجًا كبيرًا.
تقدير الوسط الفني لتجربتها الطويلة
رغم بعدها في فترات كثيرة عن الأضواء، إلا أن الفنانين الذين عملوا معها يكنّون لها كل الاحترام. يعرفون جيدًا كم ضحّت من أجل فنها، وكم قدمت من مشاعر صادقة في أدوارها. وصفها بعض المخرجين بأنها “مدرسة تمثيل”، بينما قالت عنها فنانة سورية شهيرة إنها “أم حقيقية خلف الكاميرا كما أمامها”، في إشارة إلى طبيعتها الدافئة والمتفهمة.
قمر مرتضى وشائعات حالتها الصحية
في السنوات الأخيرة، أُطلقت عدة شائعات حول تدهور حالتها الصحية، لكن قمر مرتضى خرجت في مقابلة تلفزيونية عام 2024 لتنفي الأمر بنفسها، مؤكدة أنها لا تزال قادرة على العمل رغم التقدم في العمر. ظهرت وقتها بإطلالة بسيطة وحديث هادئ، وقالت إنها لا تزال تطمح لتجسيد أدوار تحترم تجربتها وتليق بجمهورها.
نهاية المقال وتلخيص التجربة
في سيرة قمر مرتضى ما يكفي لكتابة مسلسل كامل عن التحدي والصبر والعطاء. هي فنانة من طراز نادر، جمعت بين الإبداع والوجع، ولم تستسلم للظروف بل صنعت من المعاناة منبرًا فنيًا وجدانياً. اليوم، تُعد قمر مرتضى قدوة لفنانات كثيرات يواجهن ظروفًا صعبة، لكنها تظل برهانًا حيًا أن الشغف الحقيقي لا ينطفئ، بل يزداد لمعانًا مع الزمن.