يُعتبر جواز السفر أحد المؤشرات الهامة التي تعكس مدى تمتع دولة ما بعلاقات دبلوماسية فعالة وسمعة دولية مستقرة. وفي حالة جنوب السودان، هذا البلد الفتي الذي نال استقلاله في عام 2011 بعد سنوات طويلة من الصراعات، يُمثل جواز السفر تحديًا وفرصة في آنٍ واحد. ففي الوقت الذي تسعى فيه البلاد لتثبيت مكانتها الدولية، فإن جواز سفرها ما يزال يعاني من ضعف واضح في حرية التنقل، الأمر الذي يضع مواطنيه أمام قيود عديدة عند التفكير في السفر خارج حدود وطنهم. في هذا المقال نُسلط الضوء على الترتيب العالمي لجواز سفر جنوب السودان، والفرص المحدودة التي يتيحها، والتحديات المتعددة التي تواجه حامليه، إلى جانب استعراض جهود الدولة في تحسين مكانته الدولية.
أقسام المقال
الترتيب العالمي والتصنيفات الحديثة
بحسب أحدث تصنيفات مؤشرات جوازات السفر العالمية لعام 2025، يحتل جواز سفر جنوب السودان المرتبة 97 عالميًا، حيث يتيح لحامليه دخول 42 وجهة فقط بدون تأشيرة أو بتأشيرة عند الوصول. ويُعد هذا الترتيب متأخرًا مقارنة بالعديد من الدول، ويعكس الصعوبات التي تواجهها البلاد في بناء علاقات دبلوماسية قوية أو توقيع اتفاقيات سفر متبادلة. وغالبًا ما يُصنَّف ضمن أسوأ 10 جوازات سفر من حيث قوة الوصول العالمي، جنبًا إلى جنب مع جوازات دول تعاني من أزمات سياسية أو أمنية مثل سوريا وأفغانستان. ويرجع هذا الضعف إلى عدة عوامل، أبرزها هشاشة الوضع الأمني في البلاد، وتدني مؤشر الاستقرار السياسي، وضعف البنية التحتية الدبلوماسية. هذا التصنيف له انعكاسات مباشرة على المواطنين، حيث يفرض عليهم مزيدًا من العراقيل عند التنقل الدولي.
الدول المتاحة بدون تأشيرة
حتى عام 2025، يمكن لحاملي جواز جنوب السودان السفر إلى عدد محدود جدًا من الدول دون الحاجة إلى تأشيرة، وغالبًا ما تكون هذه الدول ضمن القارة الأفريقية، مثل كينيا، السودان، أوغندا، ورواندا. هذه الدول، بحكم القرب الجغرافي والعلاقات الإقليمية، تحتفظ باتفاقيات سفر مرنة مع جنوب السودان. ومع ذلك، فإن حرية الحركة تظل مقيدة نسبيًا، حيث لا تتجاوز هذه القائمة 10 إلى 12 دولة، معظمها دول نامية ذات نفوذ عالمي محدود.
فرص التأشيرة عند الوصول والتأشيرات الإلكترونية
توفر بعض الدول الآسيوية والإفريقية إمكانية الحصول على تأشيرة عند الوصول لحاملي جواز جنوب السودان، أو عبر تأشيرة إلكترونية. من بين هذه الدول: جزر القمر، المالديف، إيران، كمبوديا، وتنزانيا. هذه الخيارات تمنح قدرًا أكبر من المرونة، إلا أنها ما زالت تتطلب إجراءات مسبقة مثل حجز فندقي مسبق أو تذكرة عودة، مما يزيد العبء على المسافرين، خاصة في ظل صعوبات إصدار الوثائق الرسمية في الداخل.
القيود والتحديات أمام حاملي الجواز
يُواجه المواطنون من جنوب السودان تحديات كبيرة في طلبات التأشيرة، فغالبًا ما تُرفض الطلبات أو تُواجه بتأخير كبير، نتيجة ضعف الثقة الدولية في البنية الإدارية للبلاد، أو بسبب المخاوف من الهجرة غير الشرعية. كما أن بعض الدول تطلب مستندات إضافية معقدة، مثل الكفالة المالية أو سجل جنائي نظيف، ما يثقل كاهل المسافر العادي. ونتيجة لهذه العوامل، قد يضطر الكثيرون للتخلي عن خطط السفر أو اللجوء لطرق بديلة.
جهود جنوب السودان لتحسين الوضع
تحاول حكومة جنوب السودان بجهود دبلوماسية حثيثة تحسين ترتيب جواز سفرها عالميًا، وذلك عبر توقيع اتفاقيات ثنائية جديدة، وتعزيز تواجدها في المنظمات الدولية، والسعي للانضمام إلى الكوميسا وغيرها من التكتلات الإقليمية. كما يتم تطوير نظام الجوازات من الناحية التقنية لإصدار جواز إلكتروني مؤمّن يواكب المعايير الدولية، مما يُعزز من مصداقية الجواز لدى دول العالم.
التأثير الاقتصادي والاجتماعي لقوة الجواز
ضعف جواز السفر لا يؤثر فقط على الأفراد من حيث السفر والترفيه، بل يمتد أثره إلى فرص التعليم والهجرة والعمل. فالكثير من الشباب يواجهون صعوبات في الحصول على منح دراسية أو فرص توظيف بالخارج بسبب محدودية التنقل، ما يُقلل من فرص تبادل الكفاءات والخبرات. كما أن رجال الأعمال والمستثمرين يُعانون من تعقيدات مرهقة في التنقل بين الدول لعقد شراكات أو حضور فعاليات اقتصادية.
توصيات للمواطنين لتسهيل التنقل
ينصح خبراء السفر حاملي جواز جنوب السودان بالبدء المبكر في عملية التقديم على التأشيرات، مع تجهيز كافة المستندات المطلوبة مسبقًا، والحصول على خطابات دعوة رسمية من جهات معتمدة إن أمكن. كذلك يُفضل التعاون مع وكالات سفر متمرسة في إدارة الطلبات الصعبة، واستخدام منصات التأشيرات الإلكترونية الرسمية لتقليل نسبة الرفض. وبناء سجل سفر إيجابي يمكن أن يُعزز من فرص الحصول على تأشيرات مستقبلية.
مستقبل جواز جنوب السودان
رغم الترتيب المتأخر، إلا أن هناك بوادر تحسُّن تُبشّر بإمكانية تطور قوة جواز جنوب السودان خلال السنوات القادمة، خصوصًا إذا استقرت الأوضاع السياسية وتم تعزيز الاقتصاد الوطني. التعاون الدولي، وتفعيل مبدأ تبادل المصالح، والانخراط في المعاهدات الدولية من شأنه أن يُعيد الثقة الدولية تدريجيًا. ومع مزيد من الإصلاحات، قد يتمكن المواطن من التمتع بحرية تنقل أكبر وأكثر عدالة.