مرح جبر وأخواتها

مرح جبر ليست مجرد اسم فني لامع في الدراما السورية، بل هي أيضًا جزء من عائلة عريقة حفرت اسمها في ذاكرة الفن العربي منذ عقود. من والديها إلى شقيقاتها وأبناء الجيل الجديد، شكّلت عائلة جبر وواصف نموذجًا فنيًا متكاملًا تميز بالإبداع والالتزام والموهبة المتوارثة. في هذا المقال، نغوص في تفاصيل حياة مرح جبر وأخواتها وأفراد عائلتها، ونستعرض كيف نجح هذا النسيج العائلي في التأثير بعمق في مشهد الفن السوري والعربي.

مرح جبر: ابنة المسرح التي غزت الشاشة

ولدت مرح جبر في 30 مايو 1968، وسط عائلة تنبض بالفن من كل جانب. والدها هو الممثل السوري الكبير محمود جبر، ووالدتها الفنانة هيفاء واصف، مما جعلها تعيش منذ طفولتها في بيئة مسرحية بامتياز. درست الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، ثم انتقلت لدراسة الفنون المسرحية، وبدأت مسيرتها في أواخر الثمانينيات.
شاركت مرح في العديد من الأعمال السورية والبدوية، وتميزت بأدائها العميق القادر على حمل الشخصيات المركبة، وكان أبرز أدوارها في مسلسلات مثل “جواهر”، و”رأس غليص”، و”باب الحارة”. رغم فترات الغياب الطويلة، بقيت مرح حاضرة في ذاكرة الجمهور العربي بسبب بصمتها القوية.

ليلى جبر: أخت تؤمن بقوة الدور الصامت

ليلى جبر، الشقيقة الكبرى لمرح، اتخذت مسارًا فنيًا أكثر هدوءًا لكن لا يقل تأثيرًا. عرفت بأدوارها الداعمة في المسلسلات الاجتماعية والتاريخية، حيث جسّدت الأم السورية، والمرأة الطيبة، والجارة الوفية، بأسلوب بسيط وقريب من القلب. ورغم قلة ظهورها الإعلامي، فإن اسمها محفور في وجدان جمهور الدراما السورية منذ التسعينيات وحتى اليوم.

هيفاء واصف: الأم التي احتضنت الفن والمنزل

هيفاء واصف، والدة مرح جبر، كانت فنانة مسرحية بارزة، واشتهرت بدورها الكبير في دعم زوجها محمود جبر في تأسيس مشواره الفني، ثم في تربية بناتها على قيم الالتزام والحب للفن. عُرفت بهدوئها وابتعادها عن الأضواء، لكنها كانت الأساس المتين الذي بُنيت عليه شخصيات بناتها الفنية.

دانا جبر: الوريثة الطموحة لجيل جديد

دانا جبر، ابنة شقيقة مرح جبر، تمثل الجيل الثالث من العائلة الفنية. ولدت في عام 1989، وبدأت مشوارها الفني منذ سن مبكرة. دخلت الوسط الفني بدعم من خالتها، وسرعان ما أثبتت موهبتها من خلال أدوار متنوعة. من أشهر أعمالها “باب الحارة” و”صرخة روح” و”عندما تشيخ الذئاب”.
رغم ما واجهته من جدل وشائعات، حافظت دانا على مكانتها، واستمرت في تجديد أدواتها كممثلة عصرية تواكب متغيرات الدراما العربية.

منى واصف: الخالة الأسطورة التي ألهمت الأجيال

منى واصف، الخالة الكبرى لمرح جبر، هي اسم لا يُذكر في الفن العربي إلا ويُقترن بالعظمة. بمسيرة تمتد لأكثر من خمسين عامًا، قدّمت أدوارًا أيقونية في المسرح والدراما والسينما. من فيلم “الرسالة” إلى مسلسلات تاريخية مثل “الزير سالم” و”صلاح الدين الأيوبي”، صنعت منى مدرسة فنية قائمة بذاتها.

محمود جبر: الأب الذي زرع البذرة الأولى

الممثل الراحل محمود جبر لم يكن مجرد أب لعائلة فنية، بل كان حجر الأساس فيها. تنقّل بين المسرح والتلفزيون، وشارك في تأسيس حركة المسرح السوري الحديث. كان صارمًا في تعامله الفني، لكنه في ذات الوقت داعمًا كبيرًا لبناته، وأثره ما يزال حاضرًا في وجدانهم.

مرح جبر وقرار العودة إلى سوريا في 2025

بعد سنوات من الابتعاد عن سوريا نتيجة المواقف السياسية، عادت مرح جبر إلى الوطن في عام 2025 وسط ترحيب واسع من النقابة والجمهور. كانت قد انتقلت للعيش في تركيا لظروف سياسية، وصُنّفت ضمن الفنانين المعارضين للنظام، خصوصًا بعد مشاركتها في مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”. لكن عودتها مؤخرًا أعادت إلى المشهد الفني السوري روحًا مفقودة، خاصة بعد لقائها المؤثر بخالتها منى واصف.

العائلة الفنية بين الاستمرارية والتجديد

من المثير في قصة عائلة جبر وواصف هو قدرتهم على التجديد والتكيّف مع تطورات الساحة الفنية. في كل جيل، تخرج وجوه جديدة تحمل نفس الشغف والموهبة، من دون أن تقع في فخ تكرار الشخصيات أو الاعتماد على أمجاد الماضي.

الدراما السورية وفضل العائلات الفنية

ساهمت عائلات مثل عائلة جبر وواصف في بناء أسس الدراما السورية التي لطالما كانت محط أنظار العالم العربي. وجود أكثر من فنان من العائلة الواحدة يُكسب الأعمال بعدًا إنسانيًا وواقعيًا، ويزيد من مصداقية الأداء التمثيلي.

خاتمة: إرث ممتد ونبراس للأجيال

إن قصة مرح جبر وأخواتها لا تقتصر على كونها حكاية فنية، بل هي ملحمة عائلية تجسد قيم الوفاء للفن والعائلة والوطن. من الجدات إلى الأحفاد، يستمر هذا الإرث النقي في بث الإلهام للأجيال القادمة، ويبرهن على أن العائلة حين تتوحد على حب الإبداع، فإنها تترك أثرًا خالدًا في ذاكرة الشعوب.