مساحة لبنان

يمثّل لبنان حالة فريدة في العالم العربي والعالم أجمع، فهو بلد صغير من حيث المساحة، لكنه كبير في تاريخه وثقافته وتنوعه الجغرافي والسكاني. فعلى الرغم من ضيق رقعته الجغرافية، إلا أن لبنان يحتوي على تنوع بيئي وطبيعي يندر وجوده في بلدان أكبر حجمًا. هذا التنوع يتجلى في الجبال المكسوّة بالثلوج شتاءً، والسواحل المعتدلة، والسهل الزراعي الخصب في البقاع. لكنّ فهم هذا البلد من ناحية جغرافية يبدأ من معرفة مساحته الدقيقة وتوزيع هذه المساحة بين المدن، الجبال، السهول، والموارد الطبيعية.

الموقع الجغرافي للبنان

يقع لبنان في قلب المشرق العربي، في منطقة الشرق الأوسط، على الضفاف الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. يتموضع بين خطي عرض 33 و35 شمالًا وخطي طول 35 و37 شرقًا، ما يمنحه موقعًا متوسطًا واستراتيجيًا في الإقليم. يحدّه شمالًا وشرقًا سوريا، ومن الجنوب فلسطين المحتلة، ومن الغرب البحر المتوسط. هذا الموقع يربط بين الداخل العربي والساحل، ويجعل من لبنان بوابة عبور تجاري وثقافي منذ آلاف السنين.

مساحة لبنان

تبلغ المساحة الإجمالية لجمهورية لبنان حوالي 10,452 كيلومترًا مربعًا. وهي مساحة تُعدّ صغيرة جدًا مقارنة بالدول المجاورة، ما يجعل لبنان يحتل مرتبة متأخرة عالميًا في تصنيف المساحات، تحديدًا في المرتبة 161. رغم هذه المساحة الصغيرة، فإن البنية الجغرافية المتنوعة للبنان تُضاعف من قيمته البيئية والاقتصادية. فلا تكاد تسير بضعة كيلومترات حتى يتغير المشهد الطبيعي من سهل إلى جبل إلى وادٍ أو ساحل، ما يمنح البلاد تنوعًا فريدًا في التضاريس والمناخ.

التضاريس الطبيعية في لبنان

ينقسم لبنان من الناحية التضاريسية إلى أربع مناطق رئيسية:

  • السهل الساحلي الضيق الذي يمتد من الناقورة جنوبًا إلى العريضة شمالًا، ويضم عددًا من أهم المدن كصيدا، صور، بيروت، وطرابلس.
  • سلسلة جبال لبنان الغربية، والتي تحتوي على أعلى قمة في البلاد، وهي القرنة السوداء التي ترتفع حوالي 3,088 مترًا.
  • سهل البقاع الواقع بين السلسلتين الغربية والشرقية، ويُعتبر الخزان الزراعي للبنان لما يتمتع به من خصوبة وتوفر للمياه الجوفية.
  • سلسلة جبال لبنان الشرقية، وهي أقل ارتفاعًا من الغربية، وتمتد بمحاذاة الحدود السورية.

المساحة الزراعية في لبنان

تشكل الأراضي الزراعية نسبة مهمة من مساحة لبنان، وتُقدّر بما بين 35% إلى 40% من المساحة الإجمالية، أي حوالي 3,600 إلى 4,000 كيلومتر مربع. تُنتج هذه المساحات مجموعة متنوعة من المحاصيل، أبرزها الحبوب، والخضروات، والعنب، والتفاح، والزيتون. وتُعرف مناطق مثل البقاع، الجنوب، وعكار بأنها السلة الغذائية للبلاد. ومع ذلك، فإن الزحف العمراني والتوسع العقاري باتا يشكلان تهديدًا حقيقيًا لهذه الأراضي، ما يستدعي تدخلًا حكوميًا فاعلًا.

المساحة الحضرية والكثافة السكانية

نظرًا لصغر مساحة لبنان، فإن الضغط السكاني يُعتبر مرتفعًا نسبيًا، حيث تتجاوز الكثافة السكانية 670 نسمة لكل كيلومتر مربع، وتصل إلى ما يفوق 20,000 نسمة/كلم² في العاصمة بيروت. هذه النسبة المرتفعة تنعكس على الخدمات العامة، والنقل، والبنى التحتية، كما تخلق تفاوتًا بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية من حيث توزيع الموارد.

المساحة المائية والساحلية

يمتد الشريط الساحلي للبنان على طول 225 كيلومترًا، ويُعد من أهم مقومات الجذب السياحي والاقتصادي. كما يحتضن لبنان ما يزيد عن 16 نهرًا رئيسيًا، منها نهر الليطاني الذي يُعد الأكبر، إلى جانب ينابيع مياه غزيرة منتشرة في المناطق الجبلية. أما المسطحات المائية الداخلية، فهي محدودة الحجم، لكنها تؤدي دورًا هامًا في تزويد السكان بالمياه، وخاصة في ظل التحديات المناخية وتراجع منسوب الأمطار.

التقسيم الإداري والمساحة

ينقسم لبنان إلى تسع محافظات، تتباين في مساحاتها وسكانها. وتُعد محافظة بعلبك-الهرمل الأكبر من حيث المساحة، تليها محافظتا الشمال والبقاع، بينما تُعد محافظة بيروت الأصغر، إذ لا تتجاوز مساحتها 20 كيلومترًا مربعًا. هذا التفاوت في المساحة له أثر كبير في التوزيع الديمغرافي، والتمثيل السياسي، وتوفير الخدمات.

التحولات العمرانية واستغلال المساحة

شهد لبنان خلال العقود الأخيرة توسعًا عمرانيًا عشوائيًا، خاصة في المناطق الجبلية والمحيطة بالمدن الكبرى. هذا النمو، الذي لم يواكبه تخطيط عمراني دقيق، أدى إلى فقدان مساحات خضراء، وارتفاع معدلات التلوث، وتراجع جودة الحياة. وقد ازدادت هذه التحولات بعد الحرب الأهلية اللبنانية، حيث توسعت الضواحي بطريقة غير منظمة، وتضاعفت الحاجة إلى شبكات نقل ومرافق بنية تحتية.

التحديات البيئية المرتبطة بالمساحة

يواجه لبنان تحديات بيئية كبيرة نتيجة الاستغلال غير المستدام لمساحته الصغيرة، أبرزها تراجع المساحات الخضراء، وزيادة الحرائق، والتلوث البحري والبري، ونقص المساحات المخصصة للنفايات. ويُعتبر غياب التخطيط البيئي وغياب الرقابة البيئية من أبرز العوامل المؤدية لتفاقم هذه الأزمات.

الخلاصة

رغم أن مساحة لبنان تُعد صغيرة من حيث الأرقام، إلا أنها تختزن في طياتها تنوعًا طبيعيًا وثقافيًا يجعلها تضاهي بلدانًا أكبر حجمًا. هذا التنوع يجب أن يُدار بحكمة وعبر سياسات إنمائية مستدامة توازن بين النمو السكاني وحماية البيئة واستغلال الموارد. لبنان ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو لوحة فسيفسائية غنية تستحق الحفاظ عليها وتطويرها بما يخدم مستقبل أجياله.