في ساحة الدراما السورية، لم يكن من السهل على أي فنان أن يثبت وجوده في ظل زخم الأعمال وتنوع الوجوه الفنية، إلا أن الفنانة السورية نجاح مختار نجحت بموهبتها وثقافتها وحضورها اللافت في أن تحجز لنفسها مكانة مميزة. بدأت رحلتها الفنية في وقت متأخر نسبياً، لكن خطواتها كانت واثقة ومدروسة، فدخلت إلى قلوب المشاهدين بسرعة، خصوصاً من خلال أدائها في أبرز الأعمال الشامية مثل “باب الحارة” و”عطر الشام”.
أقسام المقال
نجاح مختار: بداية متأخرة ولكن مميزة
ولدت نجاح مختار في 17 فبراير 1969 بمدينة دمشق، العاصمة السورية الغنية بالحياة الثقافية والفنية. وعلى الرغم من أن ظهورها الأول على الشاشة جاء بعد تجاوزها الأربعين عاماً، إلا أن حضورها المسرحي والأكاديمي سبق ذلك بسنوات. فقد درست في المعهد العالي للفنون المسرحية، وصقلت موهبتها بين جدران هذا الصرح الذي خرّج أبرز نجوم سوريا.
كان دخولها إلى عالم التلفزيون محملاً بالنضج الفني والقدرة على تقديم شخصيات معقدة وغنية بالتفاصيل، وهذا ما جعلها محط أنظار المخرجين والمنتجين منذ أول أدوارها.
نجاح مختار في “عطر الشام”: تجسيد الحياة الدمشقية
يُعد مسلسل “عطر الشام” من أبرز الأعمال التي نجحت في إعادة تمثيل البيئة الدمشقية القديمة بجاذبيتها وتقاليدها الأصيلة. وقد لعبت نجاح مختار دوراً بارزاً في هذا العمل الدرامي الذي بدأ عرضه في عام 2016، واستمر لعدة مواسم نتيجة الإقبال الكبير عليه من الجمهور العربي.
قدّمت نجاح شخصية متوازنة بين القوة والحنان، فكانت نموذجاً للمرأة الدمشقية الأصيلة، التي تحرص على العادات والتقاليد، وتحمل في داخلها شجاعة وقدرة على إدارة الأزمات العائلية. وقد لفتت الأنظار بتفاصيل أدائها الدقيقة، سواء في تعبير الوجه أو نبرة الصوت، مما جعل شخصيتها حقيقية وقريبة من القلب.
ما يميز أداء نجاح مختار في “عطر الشام” هو قدرتها على التجسيد الطبيعي للشخصية دون افتعال، حيث قدمت الأم والزوجة والحماة بجميع تناقضاتها وتفاعلاتها العاطفية والاجتماعية، مما أضفى على المشهد السوري نكهة صادقة تنبع من رحم البيئة.
نجاح مختار في “باب الحارة”: حضور لافت في عمل جماهيري
من خلال مشاركتها في الجزء الحادي عشر من مسلسل “باب الحارة”، وضعت نجاح مختار بصمتها على واحد من أكثر المسلسلات متابعة في الوطن العربي. هذا العمل الذي حمل الطابع الشعبي والدرامي معاً، شكل منصة ذهبية للفنانين لإبراز قدراتهم التمثيلية.
في “باب الحارة”، لم تكن شخصية نجاح مختار هامشية، بل كانت محورية في العديد من الأحداث، وساهمت في دفع الحبكة الدرامية نحو مزيد من الإثارة. تمكنت من التفاعل مع باقي الشخصيات بشكل متناغم، وأظهرت مهاراتها في تجسيد الانفعالات الحادة، مثل الغضب، والصدمة، والرضا، بأسلوب ينم عن فهم عميق لبنية الشخصية.
أثبتت نجاح أنها قادرة على التكيف مع متطلبات المسلسلات الطويلة والمتعددة المواسم، من خلال التزامها واستمراريتها في تقديم أداء متجدد لا يمل منه المشاهد.
تنوع الأدوار وتعدد المشاركات
لم تقتصر مسيرة نجاح مختار على مسلسلين فقط، بل امتدت إلى العديد من الأعمال الأخرى التي تراوحت بين الدراما الاجتماعية والكوميدية والتاريخية. من هذه الأعمال: “طوق البنات”، “أزمة عائلية”، و”بروكار”، حيث قدمت في كل منها أداءً مختلفاً عن الآخر، مؤكدة قدرتها على التنقل بين الأدوار بسهولة واقتدار.
كما كان للمسرح نصيب من حياتها الفنية، إذ شاركت في عدة عروض على خشبة المسرح الدمشقي، مما أكسبها مزيداً من المرونة والسيطرة على أدواتها التمثيلية.
وجودها على الساحة لم يكن مقتصراً فقط على الشاشة، بل تعدى ذلك إلى لقاءات تلفزيونية وإذاعية كانت تتحدث فيها عن رؤيتها للفن، والتحديات التي واجهتها، وأحلامها التي لم تفقد بريقها رغم البدايات المتأخرة.
الختام: فنانة تثبت حضورها بثقة
نجاح مختار هي المثال الحي على أن الموهبة لا تعترف بالعمر، وأن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى بهرجة إعلامية بل إلى صدق في الأداء وإخلاص في العمل. ما قدمته في “عطر الشام” و”باب الحارة” هو انعكاس لصوت المرأة السورية القوية والحكيمة، وهو أيضاً دعوة للجيل الجديد من الفنانين ليتعلموا من تجربة فنانة أثبتت أن الطريق نحو النجاح يبدأ بالإيمان بالنفس.
ما زال الجمهور ينتظر جديد نجاح مختار بشغف، ويأمل في رؤيتها في أعمال قادمة تستكمل مسيرتها الثرية، وتُعزز من مكانتها كأحد رموز الدراما السورية الأصيلة.