نزار أبو حجر وسعاد حسني

في عالم تتقاطع فيه الدروب الفنية وتتشابك فيه خيوط الإبداع بين الأوطان والوجوه، تبرز أسماء حفرت لنفسها مكانًا خالدًا في الذاكرة العربية. من سوريا إلى مصر، ومن خشبة المسرح إلى الشاشة الكبيرة والصغيرة، يظهر كل من نزار أبو حجر وسعاد حسني كنجمين ساطعين، لا يجمع بينهما الفن فقط، بل تربطهما أيضًا صلة دم مثيرة للفضول والاهتمام. في هذا المقال، نستعرض سيرة كل من الفنان السوري نزار أبو حجر والفنانة المصرية سعاد حسني، لنكشف كيف جمعت بينهما الجذور، وتفرقت بينهما الطرق، وخلّدتهما الإبداعات.

من هو نزار أبو حجر؟

وُلد نزار أحمد أبو حجر في 13 مايو 1952 في حي الميدان الدمشقي، لعائلة فلسطينية الأصل من مدينة المجدل عسقلان. فقد والده في سن صغيرة، واضطر إلى ترك المدرسة في مرحلة مبكرة ليعمل ويُعيل أسرته، لكنه لم يستسلم لظروفه، فعاد في سن الخامسة عشرة إلى مقاعد الدراسة وتعلم القراءة والكتابة، ثم واصل مسيرته الأكاديمية حتى حصل على إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق.

دخل نزار عالم الفن من بوابة المسرح القومي، ثم شارك في عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، لكن الانطلاقة الحقيقية له كانت من خلال شخصية “أبو غالب” بائع البليلة في مسلسل “باب الحارة”، حيث جسّد شخصية الرجل الوصولي والانتهازي بطريقة لافتة، جعلته واحدًا من أكثر الشخصيات شهرة في الدراما الشامية. امتاز نزار بأسلوبه التمثيلي الذي يمزج بين الواقعية والسخرية، وقدرته على تقمص الشخصيات الشعبية.

من هي سعاد حسني؟

وُلدت سعاد محمد كمال حسني البابا في 26 يناير 1943 في حي بولاق الشعبي بالقاهرة، وسط أسرة تنتمي إلى جذور سورية. والدها الخطاط محمد حسني البابا كان فنانًا معروفًا، وشقيقتها غير الشقيقة هي المطربة الشهيرة نجاة الصغيرة. بدأت سعاد حياتها الفنية منذ طفولتها، وبرزت موهبتها في برنامج الأطفال الإذاعي مع بابا شارو.

دخلت السينما في عمر السادسة عشرة عبر فيلم “حسن ونعيمة”، ومنذ ذلك الحين، بدأت مسيرة فنية استثنائية قدّمت خلالها أكثر من 80 فيلمًا، من بينها “خلي بالك من زوزو”، “أين عقلي”، و”الكرنك”، حيث جمعت بين التمثيل والغناء والاستعراض. امتازت سعاد بحضور طاغٍ، وجاذبية طبيعية، وقدرة على التعبير عن مشاعر المرأة المصرية بكل تناقضاتها، من القوة إلى الضعف، ومن الحنان إلى التمرد.

ما علاقة نزار أبو حجر بسعاد حسني؟

لطالما كانت صلة القرابة التي تجمع بين نزار أبو حجر وسعاد حسني محل اهتمام وتساؤلات من الجمهور، إذ كشف نزار في أكثر من لقاء إعلامي أنهما أبناء عمومة من جهة والد كل منهما، وأن أصول عائلتيهما تعود إلى مدينة واحدة في فلسطين قبل الشتات. وقد حالت الظروف الجغرافية والعملية دون لقاء مباشر بينهما، إلا أن هذه الصلة تضيف بعدًا إنسانيًا وجماليًا على مسيرتهما الفنية، وكأن الإبداع كان يجري في الدم منذ البداية.

أعمال نزار أبو حجر المشهورة

ساهم نزار أبو حجر في ترسيخ صورة دمشق الشعبية القديمة، من خلال أدواره في المسلسلات الشامية، خاصة في أعمال مثل “بيت جدي”، و”أيام شامية”. تميز في تقديم الشخصية المركبة التي تجمع بين الشر والمكر، دون أن تفقد تعاطف الجمهور. كما شارك في عدد من الأفلام والمسرحيات، وترك بصمته في الساحة الثقافية من خلال مشاركاته في الندوات والبرامج الحوارية.

أفلام سعاد حسني التي لا تُنسى

أما سعاد حسني، فقد شكّلت ظاهرة سينمائية نادرة. لم تكن مجرد ممثلة جميلة، بل كانت تحمل مشروعًا فنيًا، يتناول قضايا المرأة والمجتمع. تعاونت مع كبار المخرجين مثل صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، وعلي بدرخان. كانت أفلامها مرآة للواقع الاجتماعي والسياسي، مثل “الزوجة الثانية” الذي تناول قضية التسلط الذكوري، و”الكرنك” الذي كشف عن ممارسات القمع في الحقبة الناصرية. وُصفت بأنها الممثلة التي أدّت كل الأدوار ببساطة وعُمق، ولامست قلوب الناس.

كيف توفيت سعاد حسني؟

رحلت سعاد حسني في 21 يونيو 2001 عن عمر ناهز 58 عامًا، إثر سقوطها من شرفة منزلها في لندن، في ظروف غامضة ما تزال تثير التساؤلات حتى اليوم. ورغم تعدد الروايات حول وفاتها، إلا أن المؤكد أنها رحلت وهي تعاني من الإهمال والتجاهل الفني، ما جعل موتها نهاية مأساوية لأسطورة فنية لم تُكرّم بما يليق بها في حياتها.

ماذا يجمع بين نزار وسعاد؟

ربما لم يتقابل نزار أبو حجر وسعاد حسني في عمل فني، لكنهما تقاطعا في نقاط عدة: الصراع مع الواقع، الانتماء الطبقي البسيط، الكفاح الذاتي، والقدرة على التعبير عن الناس. كلاهما عاش فترات من التهميش، وكلاهما كان صادقًا في أدائه. أحدهما في الشام، والآخر في القاهرة، ولكن جمعتهما العائلة والموهبة والجذور.

كلمة أخيرة عن نزار أبو حجر وسعاد حسني

في النهاية، تبقى مسيرتا نزار أبو حجر وسعاد حسني شهادة على قدرة الفن على تجاوز الحدود والزمن. فبين دمشق والقاهرة، وبين الكاميرا والذاكرة، خطّ كل منهما سطورًا من الإبداع والصدق الفني. وإذا كانت سعاد حسني قد غادرت الحياة، فإن صورتها لا تزال تسكن القلوب، وإذا كان نزار لا يزال على قيد الحياة، فإنه يستمر في إمتاع الجماهير بصوته وأدائه وروحه الدمشقية الأصيلة.