نساء أفغانستان

تعيش نساء أفغانستان في واحدة من أكثر البيئات قمعًا وتقييدًا للحقوق في العالم، لا سيما منذ سيطرة حركة طالبان على البلاد عام 2021. ورغم أن المرأة الأفغانية قد خاضت عبر التاريخ نضالات شاقة للوصول إلى التعليم والعمل والمشاركة السياسية، فإن تلك المكاسب تآكلت تدريجيًا أمام سياسات إقصائية متشددة. في ظل الأوضاع الحالية، تُحرم النساء من أبسط حقوقهن، ويُفرض عليهن نمط حياة صارم يستبعدهن من الحياة العامة. هذا المقال يُسلّط الضوء على واقع النساء في أفغانستان من عدة جوانب، ويستعرض التحديات اليومية التي يواجهنها، فضلًا عن نضالاتهن المستمرة في وجه القمع.

التعليم للفتيات في أفغانستان

حُرمت الفتيات الأفغانيات من التعليم الثانوي والجامعي منذ مارس 2022، في خطوة تُعد تراجعًا مأساويًا في مسيرة تعليم المرأة. بالرغم من الوعود المتكررة بإعادة فتح المدارس، ما تزال القيود مفروضة دون أي أفق واضح للتغيير. وبحسب تقديرات منظمات حقوق الإنسان، هناك أكثر من 2.5 مليون فتاة في سن التعليم محبوسات في منازلهن. ويُضاف إلى ذلك منع النساء من الالتحاق بدورات مهنية أو تدريبية، ما يعني استبعادًا تامًا من التنمية الفردية والاقتصادية. وفي بعض المناطق، تلجأ الأسر إلى التعليم السري داخل المنازل أو عبر الإنترنت، وهو ما يُعرض المشاركين فيه لخطر السجن أو العقاب.

العمل للنساء في أفغانستان

فقدت النساء وظائفهن في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، باستثناء عدد محدود من القطاعات مثل التمريض والتعليم الابتدائي. حتى تلك المهن تُقيد بقواعد صارمة تتعلق بالزي والسلوك، وغالبًا ما تُمنع المرأة من ممارسة مهنتها دون مرافقة محرم. الصالونات النسائية أُغلقت، والمنظمات غير الحكومية أُجبرت على فصل الموظفات، ما أدى إلى كارثة معيشية للعديد من العائلات التي كانت تعتمد على دخل المرأة. هذه السياسات لم تؤثر فقط على النساء، بل أضعفت البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ككل، إذ تضاءلت فرص الإنتاج المحلي والخدمات.

الصحة للنساء في أفغانستان

القطاع الصحي في أفغانستان يعاني من تدهور خطير، خاصة فيما يخص صحة النساء. نقص العاملات في المجال الطبي، نتيجة حظر تدريب النساء في التمريض والقبالة، أدى إلى تفاقم نسب وفيات الأمهات خلال الحمل والولادة. كما أن القواعد التي تشترط وجود محرم لزيارة المراكز الصحية تحد من وصول النساء إلى الرعاية. وقد سجلت المستشفيات في المناطق الريفية حالات وفاة نتيجة تأخر العلاج بسبب هذه القيود. كما تؤثر الأزمة الاقتصادية على توافر الأدوية والخدمات، مما يجعل الوضع أكثر مأساوية بالنسبة للنساء اللواتي يُحرمن من حقهن في الرعاية الأساسية.

الحقوق القانونية للنساء في أفغانستان

لم تعد النساء في أفغانستان يتمتعن بأي تمثيل رسمي في النظام القانوني بعد إلغاء وزارة شؤون المرأة وإقصاء القاضيات والمحاميات من الساحة. تُفرض قوانين قائمة على تفسيرات دينية متشددة، تُعطي الأفضلية للرجال في قضايا مثل الحضانة والميراث والطلاق. المرأة ممنوعة من رفع القضايا أو المثول أمام المحاكم دون محرم، مما يحد من قدرتها على الدفاع عن نفسها أو المطالبة بحقوقها. وفي حالات العنف الأسري، غالبًا ما تُجبر النساء على السكوت، حيث تغيب آليات الدعم القانوني والمؤسسي.

المقاومة النسائية في أفغانستان

رغم كل هذه القيود، تواصل النساء الأفغانيات تحدي الواقع المفروض عليهن. تنشط مبادرات تعليمية سرية في كابول ومزار شريف وهرات، حيث تقوم معلمات بتقديم الدروس في السر داخل المنازل. كما تستمر حملات على وسائل التواصل الاجتماعي من داخل وخارج أفغانستان لتسليط الضوء على الانتهاكات اليومية، وتوثيقها. ونُظمت احتجاجات نسوية محدودة لكنها جريئة في عدد من المدن، رُفعت فيها شعارات تطالب بالحق في التعليم والعمل. هذه التحركات، وإن كانت محاصَرة أمنيًا، تُظهر رفضًا صريحًا للخضوع وتؤكد أن المرأة الأفغانية ترفض محو وجودها.

المجتمع الدولي ونساء أفغانستان

يتعرض المجتمع الدولي لانتقادات متزايدة بسبب فشله في ممارسة ضغط فعال على حركة طالبان لوقف انتهاكاتها بحق النساء. وعلى الرغم من بعض العقوبات الرمزية، إلا أن دولًا عدة بدأت تبحث عن طرق للتعامل المباشر مع طالبان، مما يُضعف موقف المنظمات النسوية وحقوق الإنسان. وبدلاً من فرض شروط حقوقية صارمة مقابل الدعم، يُترك الوضع في الداخل الأفغاني ليزداد سوءًا. المطلوب هو دعم المنظمات المحلية، وتوفير ممرات آمنة للناشطات المهددات، بالإضافة إلى حملات ضغط متواصلة في المحافل الدولية.

النساء في الأرياف الأفغانية

النساء في المناطق الريفية يواجهن واقعًا أكثر قسوة من نظيراتهن في المدن، حيث تنتشر الأمية ويغيب أي شكل من أشكال التوعية أو الدعم. التعليم غير متاح مطلقًا، والخدمات الصحية منعدمة تقريبًا، والعنف الأسري يُعد أمرًا اعتياديًا. في هذه المناطق، تخضع النساء لأعراف عشائرية صارمة، ويُجبرن على الزواج المبكر دون أي اعتراض. ورغم كل ذلك، نجد بعض المبادرات الفردية التي تحاول تمكين النساء في القرى، مثل الدروس القرآنية التي تُستغل كمنافذ تعليمية بديلة.

خاتمة: مستقبل النساء في أفغانستان

لا يمكن الحديث عن مستقبل مزدهر لأفغانستان دون تمكين النساء ومشاركتهن في بناء المجتمع. ما تعانيه المرأة الأفغانية اليوم لا يمثل فقط أزمة إنسانية، بل تهديدًا للتوازن الاجتماعي والتنمية. ورغم قتامة المشهد، فإن صمود النساء ومقاومتهن المتواصلة يُعد أملًا في نفق مظلم. على الجميع، داخليًا وخارجيًا، أن يدرك أن تجاهل هذه المأساة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار، وأن دعم النساء ليس خيارًا بل ضرورة وجودية.