تلعب المرأة الإريترية دورًا محوريًا في تشكيل النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي للبلاد، فهي ليست فقط شاهدة على تحولات وطنها الكبرى، بل أيضًا مساهمة فعالة فيها. لقد عرفت إريتريا منذ عقود طويلة صراعات ومراحل بناء متكررة، وكانت النساء دومًا في الصفوف الأولى سواء في الميدان أو خلف الكواليس. هذا المقال يستعرض الأوجه المتعددة لحياة النساء في إريتريا، من النضال المسلح إلى العمل المدني، مرورًا بتحديات التعليم والهوية، وانتهاءً بدورهن في المهجر.
أقسام المقال
المرأة الإريترية في جبهات القتال
انضمت آلاف النساء الإريتريات إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا أثناء الحرب ضد الاحتلال الإثيوبي، حيث تشكل النساء ما يقرب من 30% من القوات المناضلة آنذاك. لقد تدربن على استخدام السلاح، وشاركن في إعداد الخطط وتنفيذ المهام اللوجستية والطبية. تجربة الحرب صنعت من المرأة الإريترية رمزًا للقوة والتحمل، وغيرت النظرة التقليدية لدورها في المجتمع، مما مهّد الطريق أمام مشاركتها الفعلية في بناء الدولة لاحقًا.
المشاركة السياسية وتقلد المناصب
بعد الاستقلال، شاركت النساء في الحياة السياسية عبر البرلمان والمجالس المحلية. ورغم أن نسبة تمثيل المرأة لا تزال دون الطموح، إلا أن هناك خطوات متقدمة تمثلت في تولي نساء حقائب وزارية، ومناصب إدارية عليا داخل الأحزاب والنقابات. وفي السنوات الأخيرة، بدأت الحملات النسوية المطالبة بمساواة أكبر في صناعة القرار، رغم وجود قيود سياسية عامة تحد من النشاط المدني المستقل.
واقع التعليم للفتيات
يُعد التعليم من أكثر الملفات حساسية وتأثيرًا على تمكين المرأة في إريتريا. رغم محاولات الدولة توفير التعليم للفتيات، خاصة في المناطق الريفية، إلا أن معدلات التسرب من المدارس لا تزال مرتفعة بسبب الفقر، والزواج المبكر، والقيود المجتمعية. كما تعاني بعض المدارس من ضعف البنية التحتية، ونقص المدرسات المؤهلات، ما يؤثر سلبًا على جودة التعليم المقدَّم للفتيات. ومع ذلك، تشهد بعض المدن الكبرى مثل أسمرة تحسنًا ملحوظًا في نسبة التحاق الفتيات بالمدارس والجامعات، في ظل وعي متزايد لدى الأُسر بأهمية التعليم.
العادات والتقاليد وأثرها على النساء
تخضع النساء في بعض مناطق إريتريا لتقاليد ثقيلة ترهق حركتهن الاجتماعية، ومن أبرزها عادة ختان الإناث التي ما زالت تمارس في بعض القرى، رغم القوانين التي تحظرها. كما يواجهن ضغوطًا اجتماعية فيما يتعلق باختيار شريك الحياة، والعمل، والسفر، وتُفرض عليهن أدوار محددة تكرّس التبعية للرجل. تسعى منظمات نسوية محلية ودولية لتغيير هذه المفاهيم عبر حملات توعية وتقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا.
المرأة في سوق العمل والاقتصاد
تشارك النساء في إريتريا في قطاعات متنوعة من الاقتصاد، تشمل الزراعة، والتجارة الصغيرة، والوظائف الحكومية، والتعليم، والصحة. إلا أنهن غالبًا ما يواجهن تمييزًا في الأجور، وصعوبة في الوصول إلى المناصب القيادية في المؤسسات الاقتصادية. كما أن غياب الدعم المجتمعي لرائدات الأعمال وضعف التمويل يمثلان تحديًا أمام مشاريع النساء الخاصة. رغم ذلك، تظهر قصص نجاح لنساء افتتحن مشاريع صغيرة في مجالات مثل الخياطة والحرف اليدوية والمقاهي.
نساء إريتريا في المهجر
تشكل الجاليات الإريترية في أوروبا وأمريكا وكندا والشرق الأوسط شريحة مهمة من الشتات، وتلعب النساء دورًا رئيسيًا في الحفاظ على الهوية الثقافية، والعمل في منظمات إغاثية وحقوقية. وقد ظهرت ناشطات بارزات على الساحة الدولية يُسلطن الضوء على القضايا النسوية والحقوقية في الداخل الإريتري، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والانتهاكات ضد المرأة. كما أسهمت المغتربات في دعم عائلاتهن في الداخل من خلال التحويلات المالية والمبادرات الاجتماعية.
التحديات المستقبلية أمام النساء
في ظل القيود السياسية المفروضة في إريتريا، تظل قدرة النساء على تنظيم صفوفهن والمطالبة بحقوقهن محدودة. ولا تزال الحاجة قائمة إلى مراجعة القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، ورفع مستوى الوعي الحقوقي بين النساء، خاصة في الأرياف. كما أن انعدام الشفافية حول أوضاع النساء في السجون، وتقييد حرية الصحافة، يضعف من فرص التغيير السريع. ومع ذلك، فإن الوعي المتنامي بين الأجيال الجديدة من النساء يحمل وعدًا بمستقبل أكثر عدلاً.
خاتمة
نساء إريتريا هن مرآة لصمود شعب بأكمله. بين المعارك والنضال، والعمل والإبداع، يحفرن أسماءهن في تاريخ وطن يكافح من أجل التحرر والنماء. ورغم التحديات الكبيرة، تواصل المرأة الإريترية السير بخطى ثابتة نحو تحقيق المساواة والتمكين، واضعة أمامها حلمًا بأن ترى مجتمعًا يعترف بدورها القيادي، لا كمجرد عنصر مكمل، بل كقوة قادرة على التغيير وصنع القرار.