تحتل المرأة الأردنية اليوم مكانة مرموقة في المجتمع الأردني، بعد عقود من الكفاح المستمر والسعي نحو نيل الحقوق والمشاركة الكاملة في بناء الوطن. فمنذ بدايات الدولة الأردنية الحديثة، أثبتت النساء قدرتهن على تجاوز القيود الاجتماعية والثقافية، وحققن إنجازات ملموسة في مجالات متعددة. وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولات عميقة، تعكس وعيًا مجتمعيًا متناميًا بأهمية دور المرأة، إلى جانب دعم سياسي وتشريعي لتمكينها ومساواتها بالرجل. هذا المقال يرصد واقع المرأة الأردنية اليوم، ويستعرض أبرز إنجازاتها وتحدياتها في مختلف القطاعات.
أقسام المقال
المرأة الأردنية والتعليم
أصبحت المرأة الأردنية اليوم أحد الأعمدة الرئيسية في قطاع التعليم، سواء كمتلقية أو كصانعة للسياسات التربوية. فنسبة التحاق الإناث بالتعليم الأساسي والثانوي تُعد من الأعلى في المنطقة، بل تفوقت الإناث على الذكور في العديد من نتائج الثانوية العامة. كما أن الجامعات الأردنية تحتضن نسبة كبيرة من الطالبات في مجالات متنوعة، بما في ذلك الطب، الهندسة، وتكنولوجيا المعلومات، وهي تخصصات كانت تُعد حكرًا على الذكور حتى وقت قريب. وتزايد عدد الأكاديميات والباحثات الأردنيات في الجامعات المحلية والعالمية، مما يعزز من مساهمة المرأة في تطوير التعليم والبحث العلمي.
المرأة الأردنية في الاقتصاد
رغم التحديات البنيوية في سوق العمل الأردني، فإن المرأة قطعت خطوات مهمة نحو التمكين الاقتصادي. فقد ازداد حضور النساء في قطاعات مثل البنوك، التأمين، ريادة الأعمال، وتكنولوجيا المعلومات. كما ظهرت مبادرات رائدة لتمكين المرأة اقتصاديًا في المحافظات، مثل مشاريع التصنيع الغذائي والمشغولات اليدوية، مما يوفّر للنساء دخلًا مستقرًا واستقلالًا ماديًا. وتدعم الحكومة هذه المبادرات من خلال صناديق تمويل المشاريع الصغيرة، وبرامج التدريب المهني، إلى جانب التشريعات الداعمة للاستقلال الاقتصادي. لكن لا تزال نسبة مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة نسبيًا، ويُتوقع أن تشهد تحسنًا تدريجيًا في السنوات المقبلة.
المرأة الأردنية والسياسة
دخلت المرأة الأردنية عالم السياسة من أوسع أبوابه، وبرزت كقوة مؤثرة في الحياة البرلمانية والوزارية. فمن خلال نظام الكوتا، تمكنت العديد من النساء من دخول البرلمان، لكن الأهم أن بعضهن فزن بمقاعدهن عبر المنافسة المباشرة، مما يعكس تطورًا في وعي الناخب الأردني. كما شغلت نساء مناصب وزارية مهمة مثل التنمية الاجتماعية، الثقافة، الطاقة، والتعليم العالي. وانخرطت المرأة أيضًا في الحياة الحزبية، وأصبحت جزءًا فاعلًا في صياغة القوانين والتشريعات، وشاركت في الحوارات الوطنية حول الإصلاح السياسي. وتعمل مؤسسات المجتمع المدني على تعزيز دور المرأة في السياسة من خلال التدريب والدعم القانوني والتوعوي.
المرأة الأردنية والمجتمع
لم تقتصر مساهمة المرأة الأردنية على النطاق الرسمي أو المؤسسي، بل برز دورها المجتمعي من خلال العمل التطوعي والخيري والمبادرات المحلية. تتواجد النساء في الجمعيات الخيرية، والهيئات الثقافية، ولجان دعم التعليم والصحة، لا سيما في المناطق الريفية. وساهمن في معالجة قضايا مجتمعية شائكة مثل العنف الأسري، زواج القاصرات، وتمكين الفئات المهمشة. كما ظهرت قيادات نسائية محلية لعبت دور الوسيط الاجتماعي في فض النزاعات وتعزيز التماسك الأهلي. وتعكس هذه الأدوار العمق الإنساني والتنموي الذي تمثله المرأة الأردنية في قلب المجتمع.
المرأة الأردنية والتشريعات
شهدت البيئة التشريعية في الأردن تطورًا مهمًا نحو حماية وتعزيز حقوق المرأة. فقد تم تعديل قانون العقوبات بإلغاء المادة 308 التي كانت تسمح للمُغتصب بالزواج من الضحية لوقف الملاحقة القضائية. كما تم تجريم التحرش الجنسي، وتوسيع نطاق الحماية في قضايا العنف الأسري. وأُقرّت أنظمة تسهّل حصول النساء على حضانة أطفالهن، وتمنحهن امتيازات في العمل الرسمي، كحق الحصول على إجازة أبوة للأب العامل لتقاسم المسؤوليات. كما تعمل منظمات نسوية بالشراكة مع الحكومة على صياغة تشريعات أكثر تقدمًا تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
المرأة الأردنية والصحة
تقدمت المرأة الأردنية أيضًا في مجال الصحة، سواء كمستفيدة من النظام الصحي أو كعاملة فيه. فالكوادر النسائية تُشكل نسبة كبيرة من الكادر الطبي في المستشفيات والمراكز الصحية، بما في ذلك الأطباء، الممرضات، القابلات، والمساعدات الصحيات. كما تم إطلاق العديد من المبادرات الوطنية لتعزيز الصحة الإنجابية والوقاية من أمراض مثل سرطان الثدي، الذي يُعد من أكثر الأمراض التي تهدد صحة النساء في الأردن. وارتفعت نسبة النساء اللاتي يخضعن لفحوص دورية مبكرة، بفضل الحملات التوعوية والتغطية الصحية.
المرأة الأردنية في المستقبل: آفاق واعدة وتحديات قائمة
رغم الإنجازات المشهودة، ما زالت المرأة الأردنية تواجه عقبات تتعلق بالعادات الاجتماعية، وقلة الفرص في بعض القطاعات، إضافة إلى الفجوة الكبيرة في الأجور مقارنة بالرجال. لكن هناك وعي متزايد بأهمية المساواة الحقيقية بين الجنسين، مدعوم بإصلاحات حكومية وضغط منظمات المجتمع المدني. ويتوقع أن تلعب النساء الأردنيات دورًا محوريًا في الاقتصاد الرقمي، والعمل عن بُعد، والتعليم الإلكتروني، وهي مجالات تفتح أبوابًا جديدة للمشاركة من دون عوائق تقليدية. المستقبل يبدو واعدًا، والمرأة الأردنية مستعدة لأن تكون أحد أعمدة النهضة الوطنية في العقود القادمة.