المرأة العراقية هي مرآة لتاريخ طويل من الصراعات والتحديات والتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية. عاشت نساء العراق في ظل حضارات عريقة، وواجهن أزمات متعاقبة خلفت آثارًا عميقة في واقعهن، إلا أنهن أثبتن باستمرار أنهن قادرات على النهوض والتأثير والبناء، رغم كل الظروف. من التعليم إلى الاقتصاد، ومن السياسة إلى النضال المجتمعي، كانت المرأة العراقية حاضرة دومًا، تسعى لتحقيق ذاتها ومكانتها في مجتمعٍ لا يزال يتأرجح بين التقليد والتحديث.
أقسام المقال
المرأة العراقية في الحياة السياسية
برزت المرأة العراقية على الساحة السياسية، خصوصًا بعد التحول السياسي الكبير في عام 2003، حيث حصلت على تمثيل برلماني بنسبة لا تقل عن 25% من المقاعد. هذا المكسب التشريعي لم يكن مجرد رقم، بل فتح الباب أمام مشاركة أوسع في صياغة القرارات، ورسم السياسات العامة. ورغم هذا التقدم، إلا أن الواقع السياسي للمرأة ما زال محفوفًا بالتحديات، مثل ضعف النفوذ داخل الأحزاب، وقلة الدعم المالي والسياسي، إضافة إلى الضغوط المجتمعية والتشكيك بقدرات النساء القياديات. ورغم ذلك، ظهرت أسماء بارزة شكلت نماذج ملهمة، أثبتت قدرة المرأة على القيادة واتخاذ القرار.
التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية
تلعب المرأة دورًا أساسيًا في الاقتصاد الوطني، غير أن مشاركتها العملية لا تزال دون المستوى المطلوب. تعاني النساء في العراق من نسب بطالة مرتفعة، وتواجه الكثيرات صعوبات في الوصول إلى الموارد وفرص التمويل، خاصة في المناطق الريفية. وبرغم هذه العراقيل، برزت مبادرات نسوية لدعم المشاريع الصغيرة، وتوفير دورات تدريبية مهنية، وتسويق المنتجات المحلية. كما بدأت بعض الوزارات بتفعيل برامج دعم ريادة الأعمال النسائية. هذه الجهود تمثل خطوة في اتجاه تحقيق الاستقلال المالي للنساء وتعزيز دورهن في الاقتصاد الوطني.
التعليم والتحديات الثقافية
يشكل التعليم أحد الأدوات الأكثر أهمية لتمكين المرأة العراقية. على الرغم من وجود تحسن في نسب الالتحاق بالتعليم، خاصة في المدن، لا تزال الفجوة واضحة في المناطق النائية، حيث تُجبر الفتيات في بعض الأحيان على ترك الدراسة لأسباب تتعلق بالعادات أو الأوضاع الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، هناك تحديات تتعلق بنقص البنية التحتية للمدارس، وغياب المدرسات الإناث في بعض المناطق. تُبذل جهود من قبل منظمات دولية ومحلية لرفع الوعي المجتمعي بأهمية تعليم الفتيات، وتوفير منح دراسية وحملات دعم للفئات الأكثر تهميشًا.
العنف القائم على النوع الاجتماعي
تعيش الكثير من النساء في العراق تحت وطأة العنف الأسري والمجتمعي، والذي يتخذ أشكالًا متعددة، منها الجسدي والنفسي والاقتصادي. رغم وجود قوانين تحظر العنف، إلا أن التطبيق يبقى ضعيفًا في ظل العادات التي تحكم العلاقات الأسرية، والتردد في الإبلاغ عن الانتهاكات. كما تُعاني النساء من ظاهرة “جرائم الشرف” والزواج القسري، خصوصًا في البيئات القبلية. تعمل منظمات نسوية على تقديم الدعم القانوني والنفسي، وإنشاء مراكز إيواء للناجيات، والمطالبة بتشريعات رادعة، بهدف خلق بيئة أكثر أمنًا وعدالة للنساء.
المرأة العراقية في المجتمع المدني
ساهمت المرأة بشكل ملحوظ في تنشيط العمل المدني، عبر تأسيس منظمات حقوقية وتنموية، تهدف إلى تعزيز الوعي والمساواة، والدفاع عن حقوق الفئات المهمشة. تُعد مشاركة النساء في المجتمع المدني أكثر تحررًا من السياسة الرسمية، إذ تسمح لهن بقيادة حملات توعية، والمشاركة في المفاوضات المجتمعية، وتنظيم الفعاليات التعليمية والثقافية. وقد حققت الكثير من هذه المبادرات نجاحًا على المستويين المحلي والدولي، ما عزز من صورة المرأة العراقية كعنصر فاعل في التغيير الاجتماعي.
المرأة العراقية في الحروب والنزوح
عانت المرأة العراقية من تداعيات الحروب المتعاقبة التي شهدها البلد، بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية، مرورًا بحرب الخليج، ثم الغزو الأمريكي، وأخيرًا معارك تحرير المدن من الجماعات الإرهابية. كانت النساء من أبرز المتضررين من النزوح الداخلي، وفقدان المعيل، والحرمان من الخدمات الأساسية. لكن بالمقابل، أظهرت الكثيرات صمودًا نادرًا، حيث تولّت نساء كثيرات إعالة أسرهن، وتطوعن للعمل في مجالات الإغاثة، وتعليم الأطفال في المخيمات، بل وشاركن في التفاوض مع الجهات الإنسانية لضمان حقوق المهجّرين.
المرأة العراقية والثقافة والإعلام
لم يكن للمرأة العراقية غياب عن المشهد الثقافي والإعلامي، بل كانت حاضرة بقوة في الصحافة، والأدب، والفن، والسينما. برزت كاتبات وصحفيات ومخرجات وممثلات قدّمن أعمالاً عكست واقع المرأة بجرأة وصدق. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، اكتسبت المرأة صوتًا أقوى للتعبير عن قضاياها، وفضح الانتهاكات، والدفاع عن حقوقها. لعب الإعلام دورًا مزدوجًا: إذ ساهم أحيانًا في تسليع صورة المرأة، لكنه في حالات أخرى كان منبرًا حرًا لإيصال صوتها إلى الرأي العام.
الختام
نساء العراق لسن مجرد ضحايا للظروف، بل هن صانعات تاريخ وحاضرات فكر وثقافة وإرادة. رغم المعاناة الطويلة، أثبتت المرأة العراقية قدرتها على النهوض من رماد الصراعات، وبناء حياة أفضل لعائلتها ولمجتمعها. دعم المرأة العراقية لا يُعد مسؤولية محلية فحسب، بل واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا لتكريس العدالة والمساواة. مستقبل العراق مرهون بمدى تمكين نسائه، وفتح الآفاق أمامهن ليكُنّ شريكات حقيقيات في التنمية والسلام.