نساء جيبوتي

تلعب المرأة الجيبوتية دورًا محوريًا في تشكيل ملامح المجتمع الجيبوتي، رغم التحديات البنيوية والاقتصادية التي ما زالت تقف حجر عثرة أمام تحقيق مساواة شاملة. فهي ليست فقط ركيزة الحياة الأسرية، بل أصبحت اليوم أيضًا عنصرًا فاعلًا في ساحات السياسة، والاقتصاد، والثقافة. ومع تطور الوعي الاجتماعي، بدأت المرأة في جيبوتي تُحدث تحولًا حقيقيًا نحو تعزيز مكانتها والارتقاء بحقوقها في مجتمعٍ كان لفترات طويلة ذا طابع ذكوري تقليدي. تسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على واقع نساء جيبوتي، التقدم الذي تحقق، والعقبات التي ما زالت تنتظر حلولًا جذرية.

الواقع الاجتماعي: بين الإرث الثقافي والطموح للتغيير

يعيش المجتمع الجيبوتي ضمن إطار ثقافي محافظ إلى حد بعيد، حيث تلعب العادات والتقاليد دورًا كبيرًا في تحديد أدوار المرأة. ما زالت الكثير من النساء يُنظر إليهن من منظور الأسرة والرعاية المنزلية، لكن هذه النظرة بدأت تتغير تدريجيًا، خصوصًا في المدن الكبرى مثل العاصمة جيبوتي. تشهد البلاد تناميًا في الوعي النسوي، وتزايدًا في مشاركة النساء في الفعاليات الاجتماعية والمبادرات المجتمعية.

المرأة والتعليم: جسر نحو الاستقلال والتمكين

يمثل التعليم أحد أهم التحديات وأقوى أدوات التغيير في حياة النساء الجيبوتيات. على الرغم من أن الحكومة قامت بإطلاق برامج موسعة لتعليم الفتيات، إلا أن نسبة الأمية ما زالت مرتفعة في المناطق الريفية. تشير آخر الإحصائيات إلى أن نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي تتجاوز 70%، لكنها تنخفض بشكل حاد في التعليم الثانوي والعالي. ويُعزى ذلك إلى الزواج المبكر، والمسؤوليات الأسرية، والنقص في البنية التحتية التعليمية.

زواج القاصرات: عادة مجتمعية بحاجة إلى مقاومة

يُعتبر زواج القاصرات من الظواهر الشائعة في جيبوتي، خاصة في المناطق النائية. هذه العادة تترك آثارًا سلبية على صحة الفتيات الجسدية والنفسية، كما تعيق حصولهن على التعليم والعمل. تسعى منظمات حقوقية محلية ودولية إلى رفع الوعي بمخاطر هذه الظاهرة، وتطالب الحكومة بتشديد التشريعات وتطبيق القوانين بصرامة.

الصحة الإنجابية ومكافحة الختان: معركة مستمرة

لا تزال الممارسات التقليدية الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان) منتشرة رغم الانخفاض الملحوظ في نسبتها خلال السنوات الأخيرة. فبينما كانت النسبة تفوق 90% في بداية الألفية، انخفضت إلى قرابة 70% بحلول 2020، بفضل حملات التوعية وبرامج الحماية. تسعى الدولة بالتعاون مع منظمات نسوية إلى تقديم خدمات صحية وإنجابية تراعي كرامة المرأة وحقوقها، مع التركيز على تعزيز ثقافة الرعاية الصحية الوقائية.

دور النساء في الاقتصاد: صعود رغم التحديات

المرأة الجيبوتية بدأت تفرض وجودها في المشهد الاقتصادي من خلال المشاريع الصغيرة، والعمل في القطاعات الخدمية والتعليمية والصحية. إلا أن مشاركتها ما زالت دون الطموح، حيث تعاني من محدودية الوصول إلى التمويل، ونقص التدريب المهني، وهيمنة الذكور على قطاعات الأعمال. أطلقت الحكومة والاتحاد الأوروبي مشاريع تدعم النساء الرياديات مثل مبادرة “التمكين الاقتصادي للمرأة” التي توفر قروضًا صغيرة وتدريبات عملية.

النساء والسياسة: كسر الحواجز بالتدريج

بدأت المرأة الجيبوتية تلعب دورًا سياسيًا أكثر وضوحًا في العقود الأخيرة. منذ تعديل قانون الانتخابات لتخصيص 25% من مقاعد البرلمان للنساء، ظهرت أسماء لامعة في المشهد السياسي مثل فاطمة عبدي يوسف التي تقود ملفات مهمة في وزارة التضامن. هذا التقدم يبشر بقدرة النساء على التأثير في صنع القرار، لكنهن ما زلن يواجهن تحديات تتعلق بالتمثيل الحقيقي والتأثير السياسي الفعلي.

العمل المدني والناشطات: صوت المرأة في الساحة العامة

برزت عدة منظمات تقودها نساء تسعى للدفاع عن حقوق المرأة في جيبوتي، مثل اتحاد النساء الجيبوتيات، وجمعية الأمل للتنمية. الناشطات مثل نفيسة آدم وسارة فارح يعملن على توعية المجتمع بقضايا العنف الأسري، والمساواة في الفرص، وحقوق الأمومة. من خلال الحملات، والمراكز التدريبية، والبرامج الإذاعية، استطعن الوصول إلى شريحة واسعة من النساء، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات.

التكنولوجيا والمرأة: نافذة جديدة للتمكين

في السنوات الأخيرة، بدأت النساء في جيبوتي يقتحمن مجالات رقمية حديثة، مستفيدات من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لتسويق مشاريعهن أو نشر الوعي الاجتماعي. ظهرت رائدات أعمال يقدن متاجر إلكترونية صغيرة، ومدونات تنشر محتوى توعوي حول الصحة والتعليم. هذا الاتجاه الحديث يفتح آفاقًا واعدة لتحسين الوضع الاقتصادي والثقافي للمرأة في بيئة تزداد ترابطًا عبر التكنولوجيا.

الخاتمة: طريق طويل لكنه واعد

رغم ما تحقق من إنجازات، فإن الطريق أمام المرأة الجيبوتية لا يزال طويلًا ومليئًا بالتحديات. إلا أن صمودها، وتنامي الوعي المجتمعي، وتزايد المبادرات الحكومية والمدنية يشكلون أرضية خصبة لمستقبل أكثر عدالة ومساواة. نساء جيبوتي اليوم لسن فقط أيقونات للصبر، بل مشاريع لقوة تغييرية قادرة على إعادة صياغة المجتمع نحو الأفضل.