نساء ليسوتو

في قلب الجبال الشاهقة التي تغطي مساحة مملكة ليسوتو، تعيش نساء يتمتعن بإرادة صلبة وعزيمة قوية. تلك المملكة الصغيرة المحاطة بجنوب إفريقيا والتي لا تمتلك سواحل، تحتضن مجتمعًا لا يزال يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، ولكن وسط تلك الصعوبات، تبرز المرأة في ليسوتو كعنصر فاعل ومحوري في الحياة اليومية وفي مسيرة التغيير الوطني. هذا المقال يسلّط الضوء على مختلف جوانب حياة النساء في ليسوتو، بدءًا من التعليم والصحة، ووصولًا إلى الاقتصاد والمشاركة السياسية، مرورًا بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والزواج المبكر.

التعليم في ليسوتو: تفوق نسائي رغم التحديات

من بين الأمور التي تميز ليسوتو عن كثير من الدول الإفريقية الأخرى هو تفوق النساء في مجالات التعليم، حيث تشير الأرقام إلى أن نسبة التحاق الفتيات في المراحل الدراسية المختلفة تفوق نسب الذكور. ويُعزى ذلك إلى الهجرة المتكررة للذكور إلى جنوب إفريقيا للعمل، وهو ما يمنح الفتيات فرصة أكبر للتركيز على التعليم. ومع ازدياد عدد النساء المتعلمات، بدأت ملامح التغيير الاجتماعي والثقافي تظهر بوضوح، خاصة في الأرياف حيث كان التعليم سابقًا أمرًا نادرًا للفتيات.

ومع ذلك، تظل هناك عوائق حقيقية، منها نقص البنية التحتية المدرسية في القرى الجبلية النائية، وصعوبة الوصول إلى المدارس بسبب التضاريس الوعرة. في هذه المناطق، يظل تعليم الفتاة تحديًا يتطلب دعمًا حكوميًا ومنظمات المجتمع المدني لضمان استمرارية هذا التفوق النسائي.

الصحة الإنجابية: تحديات مستمرة

الصحة الإنجابية تُمثل هاجسًا كبيرًا لدى نساء ليسوتو، حيث تعاني البلاد من ضعف في تقديم خدمات الرعاية الصحية خاصة في المناطق الريفية. تعاني النساء من معدلات وفيات مرتفعة خلال الحمل والولادة نتيجة نقص الأدوية والكادر الطبي المؤهل، إضافةً إلى بعد المستشفيات عن أماكن السكن.

كما تلعب التقاليد دورًا في الحد من وعي النساء حول أهمية الفحوصات الدورية، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر اكتشاف مضاعفات الحمل. وفي ظل تفشي فيروس نقص المناعة (الإيدز) بين عدد كبير من السكان، تبذل منظمات دولية جهودًا لدعم برامج الوقاية والرعاية الصحية للأمهات.

التمكين الاقتصادي: خطوات نحو الاستقلال

المرأة في ليسوتو تسعى بشكل متزايد إلى التحرر الاقتصادي من خلال الانخراط في سوق العمل، سواء في القطاع الرسمي أو عبر المشاريع الصغيرة المنزلية. تُشكل النساء النسبة الأكبر من العاملات في صناعة النسيج، والتي تُعد من أكبر صادرات البلاد.

كما بدأ عدد متزايد من النساء بالاعتماد على الزراعة المستدامة، وبيع المنتجات المحلية في الأسواق. وهناك مبادرات تدريب مهني تهدف إلى تعليم النساء مهارات مثل الخياطة، وإعداد الأغذية، والحرف اليدوية، وهي مهارات تساعدهن على تحقيق دخل ثابت، وتحسين مستوى المعيشة.

المشاركة السياسية: تمثيل متزايد

تشهد ليسوتو ارتفاعًا تدريجيًا في مشاركة المرأة في الحياة السياسية، حيث تتواجد النساء في البرلمان والمجالس المحلية بنسب متزايدة. ويعود ذلك إلى الإصلاحات القانونية والضغوط الدولية التي تحث الدولة على ضمان تمثيل عادل للجنسين.

ومع أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق المساواة الكاملة، إلا أن وجود نساء في مناصب عليا مثل القضاء ومجلس الوزراء قد ألهم الكثير من الفتيات للسعي نحو أدوار قيادية. وتشكل تجربة النساء السياسيات مصدرًا للتحفيز في مجتمع لا يزال يرزح تحت تقاليد ذكورية في بعض المناطق.

العنف القائم على النوع الاجتماعي: قضية ملحة

يُعد العنف القائم على النوع الاجتماعي أحد أبرز التحديات التي تواجه نساء ليسوتو، حيث تؤكد الإحصاءات أن عددًا كبيرًا من النساء يتعرضن للعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي. وتفتقر العديد من المناطق إلى مراكز دعم نفسي أو قانوني، مما يجعل الضحايا في حالة من الصمت والخوف.

وفي السنوات الأخيرة، أُطلقت حملات توعية عبر الإذاعة المحلية والمدارس لتعزيز ثقافة احترام المرأة، كما ظهرت مبادرات لتدريب الشرطة على كيفية التعامل مع قضايا العنف الأسري. إلا أن تغلغل العادات الاجتماعية العتيقة لا يزال يُشكل حاجزًا أمام التغيير السريع.

الزواج المبكر: تقليد يُقيد الفتيات

يُعد الزواج المبكر ظاهرة منتشرة نسبيًا في ليسوتو، خاصة في المجتمعات الريفية، حيث يتم تزويج الفتيات في سن مبكرة تصل إلى 14 عامًا. يُؤثر هذا الزواج سلبًا على تعليم الفتاة وفرصها في العمل، فضلًا عن تعريضها لمخاطر صحية ونفسية كبيرة.

الحكومة تحاول عبر تشريعات جديدة وحملات توعوية تقليص هذه الظاهرة، لكن لا تزال الأعراف المجتمعية تلعب دورًا في فرض الزواج المبكر كحل للفقر أو كسب المهر. وتحتاج هذه القضية إلى مقاربة شاملة تشمل التعليم والقانون والتمكين الاقتصادي.

نماذج نسائية ملهمة: قصص نجاح

وسط هذه الظروف، برزت نساء من ليسوتو كنماذج ملهمة تمكنّ من كسر الحواجز وتحدي الواقع. بيرنيس موهابيلوا، على سبيل المثال، كانت من أوائل النساء اللاتي دخلن البرلمان، ولها دور ريادي في تعزيز العمل المجتمعي النسائي.

كما تُعد القاضية نثومينغ ماجارا أول امرأة تترأس الجهاز القضائي في البلاد، وهي من الأصوات البارزة في مجال العدالة وحقوق الإنسان. وتشكل هذه الشخصيات نماذج حية لقدرة المرأة في ليسوتو على بلوغ أعلى المناصب رغم المعوقات.

المرأة في الريف: نضال مزدوج

في الأرياف الجبلية التي تشكل الغالبية العظمى من أراضي ليسوتو، تعاني النساء من ظروف أشد قسوة. فهن يضطلعن بأعمال شاقة مثل الزراعة، وجلب المياه من مسافات طويلة، ورعاية الأطفال دون أي دعم يذكر. ومع قلة المرافق الصحية والتعليمية، تزداد معاناتهن يومًا بعد يوم.

ورغم ذلك، تُظهر نساء الريف صبرًا كبيرًا، ويشكلن العمود الفقري للزراعة المحلية، ويحافظن على الإرث الثقافي من خلال الحرف اليدوية والغناء الشعبي. تمكينهن يجب أن يكون أولوية عبر توفير برامج خاصة تستهدف احتياجاتهن المختلفة.

الخاتمة: مستقبل واعد رغم التحديات

إن نساء ليسوتو لا يواجهن التحديات فحسب، بل يبتكرن حلولًا ويخلقن مسارات جديدة نحو التغيير. فالتعليم يمنحهن قوة، والصحة تمنحهن استمرارية، والاقتصاد يوفر لهن الاستقلال، والسياسة تفتح أمامهن أبواب التأثير.

لكن هذا المستقبل المشرق لن يتحقق إلا إذا اقترن بإرادة سياسية حقيقية، واستثمار جاد في تمكين المرأة في كل القطاعات، خصوصًا في المناطق الريفية الأكثر تهميشًا. وحدها النساء، إن مُنحن الأدوات والدعم، قادرات على تحويل ليسوتو إلى نموذج يُحتذى به في تمكين المرأة الإفريقية.