نساء ناميبيا 

تُجسد نساء ناميبيا ملامح مدهشة من التنوع الثقافي والاجتماعي والسياسي في واحدة من أكثر الدول الأفريقية إثارة للاهتمام من ناحية الهوية والتاريخ. فبين قبائل ما زالت تحافظ على تقاليدها العريقة، ونساء يتقدمن الصفوف في القيادة والسياسة، يتشكل واقع غني بالتفاصيل والتناقضات. هذا المقال يُبحر في عالم نساء ناميبيا، ليكشف عن أدوارهن، صراعاتهن، إنجازاتهن، والعوامل التي تشكل حياتهن اليومية.

القيادة النسائية في ناميبيا: تحول تاريخي

لا يمكن الحديث عن نساء ناميبيا دون الإشارة إلى القفزة النوعية في التمثيل السياسي التي شهدتها البلاد في مارس 2025، حين أصبحت نيتومبو ناندي-نديتواه أول امرأة تتولى منصب رئيس الجمهورية، وذلك بعد مسيرة طويلة في الخارجية والدبلوماسية. يُعزز ذلك التغيير تعيين لوسيا ويتبوي في منصب نائب الرئيس، ما يجعل ناميبيا أول دولة أفريقية تتبوأ فيها النساء أعلى ثلاث مناصب قيادية. هذه الخطوة لم تكن صدفة، بل نتيجة سنوات من السياسات الداعمة للنوع الاجتماعي التي تبنتها الحكومات السابقة، والتي انعكست أيضًا على تمثيل النساء في البرلمان ومجالس المدن.

التعليم والعمل: تحديات وإنجازات

على الرغم من أن نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الأساسي في ناميبيا مرتفعة نسبيًا، إلا أن نسبة التعليم العالي لا تزال تشهد فجوة بين الذكور والإناث، بسبب عوامل تتعلق بالفقر، والزواج المبكر، والحمل في سن المراهقة. إلا أن الحكومة أطلقت عدة برامج للتوعية ومنح دراسية تهدف إلى تشجيع الفتيات على استكمال تعليمهن. في سوق العمل، تتركز النساء في قطاعات الرعاية والصحة والتعليم، بينما لا تزال مشاركتهن في مجالات العلوم والتكنولوجيا منخفضة. مع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تناميًا في عدد رائدات الأعمال والنساء العاملات في القطاعات التقنية، خاصة في المدن الكبرى مثل ويندهوك وسواكوبموند.

الصحة والرفاهية: تحسينات مستمرة

حققت ناميبيا تقدمًا كبيرًا في خفض معدلات وفيات الأمهات والأطفال، ويُعزى ذلك إلى تحسين البنية التحتية للمرافق الصحية وتدريب الكوادر الطبية. كما توجد جهود حكومية لمحاربة انتشار فيروس نقص المناعة (الإيدز) بين النساء، وخاصة بين الشابات، من خلال حملات التوعية المجتمعية وبرامج الدعم النفسي. في المقابل، تعاني بعض النساء في المناطق الريفية من ضعف الوصول إلى الخدمات الصحية، مما يستدعي مزيدًا من الاستثمار في التغطية الصحية الشاملة. كذلك، بدأت البلاد بالتركيز على الصحة النفسية والعنف الأسري، حيث باتت مراكز الإيواء والدعم النفسي أكثر انتشارًا مما كانت عليه قبل سنوات.

الهوية الثقافية: بين التقاليد والحداثة

تُعتبر المرأة حاملة للهوية الثقافية في ناميبيا، وخصوصًا في المجتمعات القبلية. ففي قبيلة الهيريرو، ترتدي النساء فساتين تقليدية مستوحاة من الحقبة الفيكتورية، مزينة بطيات ضخمة وغطاء رأس بارز، تعبيرًا عن الفخر والهوية. أما نساء الهيمبا، فيستخدمن معجونًا من الطين الأحمر والزيوت لتغطية أجسادهن وشعورهن، في ممارسة تُعبر عن الجمال والتقاليد والحماية من أشعة الشمس. وفي المدن، نجد نساء يرتدين الملابس العصرية، ويعملن في المكاتب والمؤسسات الحديثة، ما يعكس التداخل العميق بين الثقافات المحلية والعالمية في حياة المرأة الناميبية المعاصرة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي: قضية مستمرة

رغم المكاسب المحققة على صعيد التشريعات، لا يزال العنف ضد النساء من أكثر القضايا الاجتماعية إلحاحًا في ناميبيا. تشير تقارير إلى أن أكثر من نصف السكان يعتبرون العنف القائم على النوع الاجتماعي مشكلة مستعجلة يجب التصدي لها. وتتنوع أشكال هذا العنف بين الجسدي والنفسي والاقتصادي، وتُعد حالات العنف الأسري من الأكثر شيوعًا. وفي مواجهة ذلك، أطلقت الحكومة برامج لحماية الضحايا، من ضمنها خطط عمل وطنية، ومراكز للإيواء، وشبكات للدعم النفسي والقانوني، كما تعمل منظمات المجتمع المدني على رفع الوعي من خلال المسرح التفاعلي والورش التعليمية.

المرأة في الاقتصاد والبيئة

تلعب النساء دورًا محوريًا في الزراعة المحلية، خاصة في زراعة المحاصيل الصغيرة وتربية الحيوانات، ما يجعل مساهمتهن في الأمن الغذائي الوطني أساسية. ومع التغيرات المناخية التي أثرت على مواسم المطر وخصوبة الأراضي، أصبحت النساء أكثر عرضة للفقر البيئي. وقد بدأت مبادرات محلية ودولية بتدريب النساء على الزراعة الذكية مناخيًا واستخدام الطاقة الشمسية والمياه المعاد تدويرها. كما شاركت النساء في حملات لحماية البيئة من التصحر والحفاظ على التنوع البيولوجي، مما يجعلهن شريكات رئيسيات في التنمية المستدامة.

المستقبل: آفاق واعدة

مع استمرار الجهود نحو المساواة، تُظهر التوقعات أن نساء ناميبيا على وشك قيادة موجة جديدة من التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي. فجيل الشابات الجديد أكثر وعيًا بحقوقه، وأكثر استعدادًا لاستخدام أدوات التكنولوجيا والإعلام لتوسيع تأثيره. ويبدو أن المستقبل يحمل في طياته فرصة حقيقية لبناء مجتمع ناميبي أكثر عدالة واحتضانًا للنساء، ليس فقط كعاملات أو أمهات، بل كصانعات للقرار ورائدات في التغيير.