وفاء العبدالله ونجاح العبدالله

برزت في الدراما السورية شخصيات كثيرة ساهمت في تشكيل هوية هذا الفن على مدى عقود، وكان للشقيقتين وفاء العبدالله ونجاح العبدالله دور بارز ضمن هذا المشهد. كلتاهما تمثلان نموذجين للفنانة الجادة المخلصة لفنها، واللتين عانتا من التهميش رغم قدراتهما التمثيلية اللافتة. في هذا المقال نستعرض مسيرتيهما وأبرز محطات حياتهما الفنية والشخصية.

نشأة وفاء العبدالله وبداياتها الفنية

ولدت وفاء العبدالله عام 1964 في مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب، وسط بيئة محافظة بسيطة. شغفها بالفن بدأ منذ الصغر، وكانت تحرص على متابعة المسرحيات والإذاعة السورية، ما دفعها لاحقًا للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، والذي تخرجت منه عام 1987. بدأت وفاء حياتها المهنية بأدوار صغيرة، إلا أن أدائها الصادق وقدرتها على تجسيد المعاناة ساعداها في إثبات نفسها تدريجيًا.

وفاء العبدالله في مسلسل باب الحارة

أحد أكثر أدوار وفاء شهرة كان في مسلسل “باب الحارة”، حيث جسدت شخصية “نظمية” زوجة الإدعشري. هذا الدور أظهر قدرتها الكبيرة على تقديم الشخصية الشعبية التي تعاني من القهر والخذلان في بيئة اجتماعية مغلقة. رغم أن الدور لم يكن بطوليًا، إلا أن تأثيره على الجمهور كان واضحًا، وفتح أعين كثيرين على موهبتها الحقيقية.

حزن متجذر في أداء وفاء العبدالله

تميزت وفاء العبدالله بأداء أدوار حزينة ومظلومة، وغالبًا ما كانت تجسد شخصية الزوجة المغلوبة على أمرها أو الأم المقهورة. هذا النمط المتكرر جعلها تشعر في كثير من الأحيان أنها مقيدة بنمط معين، إلا أنها كانت ترى أن الجمهور يتفاعل بقوة مع هذه الشخصيات، وكانت تسعى دائمًا لتقديمها بروح مختلفة رغم تشابه المواقف الدرامية.

وفاء العبدالله بين الطموح والخذلان

رغم مشاركتها في عشرات الأعمال، لم تحصل وفاء على البطولة المطلقة في أي عمل، ما جعلها تشعر أحيانًا بالخذلان من الوسط الفني. لكنها في مقابلات عديدة أكدت أن ردة فعل الجمهور وتقديره لدورها كانا دائمًا تعويضًا معنويًا لها. كما كانت تعتبر التمثيل رسالة إنسانية وليس مجرد مهنة.

بدايات نجاح العبدالله المتأخرة ولكن القوية

نجاح العبدالله، الشقيقة الكبرى لوفاء، بدأت مشوارها الفني في سن متأخرة نسبيًا، إلا أن موهبتها ظهرت بوضوح منذ أول ظهور لها على الشاشة. ولدت عام 1939 في بلدة حيش بمحافظة إدلب، ولم تدخل مجال الفن إلا في منتصف الثمانينات، بعد أن أنهت مسؤولياتها الأسرية.

نجاح العبدالله في مسلسل الزير سالم

أشهر أدوار نجاح كان دور “ضباع” في مسلسل “الزير سالم”، حيث أدت دور الأم القوية التي تحرض أبناءها على الثأر. أداؤها القوي والصارم ترك انطباعًا لا يُنسى لدى الجمهور، وأصبح مرادفًا لقوة الشخصية والهيبة في الدراما السورية. وقد اعترف كثير من النقاد أن هذا الدور رفع اسم نجاح بشكل كبير في الساحة الفنية.

أسلوب نجاح العبدالله التمثيلي

اعتمدت نجاح على أسلوب تمثيلي طبيعي، بعيد عن المبالغة، وكانت تختار أدوارًا ذات أبعاد نفسية قوية. ظهرت في عدد من الأعمال التي تنوعت بين التاريخية والاجتماعية، وكان من أهم سماتها التزامها الكبير أثناء التصوير واحترامها للفريق الفني، ما جعلها محل تقدير من الجميع.

العلاقة الإنسانية بين وفاء ونجاح العبدالله

رغم فرق السن بين الشقيقتين، إلا أن العلاقة بين وفاء ونجاح كانت قوية ومبنية على الاحترام المتبادل. كانت نجاح تُعتبر بمثابة الأم الثانية لوفاء، وكانت تُقدم لها الدعم والنصح، خصوصًا في بداية مشوارها. وقد صرحت وفاء أكثر من مرة أن شقيقتها كانت سببًا في إصرارها على الاستمرار رغم صعوبات الوسط الفني.

وفاء العبدالله بعد رحيل نجاح العبدالله

توفيت نجاح العبدالله في يناير 2003، ما شكّل صدمة كبيرة لوفاء. وقد أثرت وفاة أختها الكبرى في نفسيتها وأدائها الفني بشكل واضح. لكنها لاحقًا كرست الكثير من أدوارها كنوع من الوفاء لذكراها، وكانت دائمًا ما تذكرها في حواراتها بمودة واحترام بالغين.

أهمية توثيق سيرة وفاء ونجاح العبدالله

قلما يُكتب أو يُحتفى بفنانات مثل وفاء ونجاح، رغم ما قدمنه للدراما السورية من أدوار مؤثرة. لذا، فإن توثيق سيرتهما الفنية ونقل تجربتهما للأجيال القادمة أمر ضروري، خصوصًا مع تراجع التوثيق الجاد لتاريخ الدراما في المنطقة. إن قصة الشقيقتين تستحق أن تُدرّس كنموذج عن الإصرار الفني والعمل في صمت.

إرث وفاء ونجاح العبدالله الدرامي

الإرث الذي تركته الشقيقتان لا يقتصر على الأدوار فقط، بل يشمل تأثيرًا وجدانيًا على كل من تابع أعمالهما. وفاء ما زالت تواصل العطاء رغم صعوبة الأوضاع الإنتاجية في سوريا، بينما تبقى نجاح حاضرة في الذاكرة بأدوارها القوية وصورتها الواضحة كرمز للمرأة القوية في الدراما.