إسكندر عزيز مع عادل إمام

في فضاء الفن العربي، تشكّل اللقاءات بين كبار الفنانين علامات مضيئة في مسيرة الإبداع، وتبقى محفورة في ذاكرة الجماهير باعتبارها لحظات توثيقية للتاريخ الفني. من بين تلك اللقاءات النادرة، يأتي التعاون الذي جمع بين النجم السوري المخضرم إسكندر عزيز والنجم المصري الأيقوني عادل إمام، ليمثل حالة خاصة من التناغم الإبداعي والتبادل الثقافي الذي طالما افتقده المشهد العربي.ما يميز هذا اللقاء ليس فقط كونه عابرًا للحدود الجغرافية، بل لأنه جمع بين مدرستين مختلفتين في التمثيل، ومدينتين تنبضان بالفن: دمشق والقاهرة.

إسكندر عزيز: رحلة فنية تمتد لعقود

إسكندر عزيز، واحد من أعمدة المسرح والدراما السورية، وُلد في مدينة القامشلي عام 1937، وسط بيئة ثقافية متنوعة تعكس النسيج السوري الغني. منذ صغره، انجذب إلى الخشبة المسرحية، وأظهر موهبة لافتة جعلته محط أنظار المحيطين به، لينطلق في مسيرة فنية بدأت فعليًا في العاشرة من عمره.بمرور السنوات، تبلورت شخصيته الفنية بين التمثيل والإخراج والتأليف المسرحي، ما منحه مكانة فريدة في الوسط الفني السوري.

أبرز ما يميز إسكندر عزيز هو التزامه بفن المسرح، رغم إغراءات التلفزيون والسينما، فقد بقي وفيًا للخشبة التي انطلقت منها موهبته، مقدمًا أعمالًا عميقة في الطرح ومتفردة في الأسلوب. كما لم يتردد في خوض تجربة التأليف، فكتب نصوصًا مسرحية تعبّر عن قضايا مجتمعه، وتتناول الإنسان العربي من زوايا إنسانية ونفسية.

عادل إمام: الزعيم الذي أثرى الفن العربي

أما عادل إمام، فهو حالة فنية نادرة في السينما والمسرح المصري والعربي. بدأ حياته الفنية في الستينيات من خلال أدوار صغيرة، لكن سرعان ما فرض حضوره الفني وأسلوبه الخاص في التمثيل، ليصبح خلال سنوات قليلة نجم الشباك الأول في مصر، وأيقونة في عالم الكوميديا السياسية والاجتماعية.عرف عنه ذكاؤه في اختيار الأدوار التي تلامس الشارع المصري والعربي، وقدرته الفائقة على المزج بين التسلية والطرح الجاد.

عادل إمام ليس فقط ممثلًا بل مفكر فني، إذ لعب دورًا مهمًا في تغيير الذائقة العامة، وساهم في مناقشة قضايا محورية كالتطرف، الفساد، والهوية. أعماله الشهيرة مثل “الإرهابي” و”الإرهاب والكباب” و”اللعب مع الكبار” لا تزال تشكّل علامات فارقة في السينما العربية.

التعاون الفني بين إسكندر عزيز وعادل إمام

أُتيحت الفرصة التاريخية في عام 2012، حين اجتمع إسكندر عزيز بعادل إمام في مسلسل “فرقة ناجي عطا الله”، وهو عمل درامي كوميدي سياسي أثار ضجة كبيرة وقت عرضه. المسلسل من إخراج رامي إمام، ويدور حول مجموعة من الشبان الذين يقودهم ضابط متقاعد في مهمة لسرقة بنك إسرائيلي.جسّد إسكندر عزيز دور شخصية محلية تتفاعل مع الفريق خلال تنقلهم في الشرق الأوسط، ونجح في تقديم أداء هادئ وعميق أضفى على المسلسل واقعية وعاطفة.

رغم أن دور إسكندر لم يكن من الأدوار الرئيسية، إلا أن حضوره القوي ترك أثرًا بالغًا، ونال إعجاب الجمهور والنقاد. وقد عُدّ هذا اللقاء الفني تتويجًا لمشوار طويل من الاحترام المتبادل بين الفنانين، وأحد مظاهر التكامل بين الدراما المصرية والسورية.

أثر التعاون على المسيرة الفنية

بالنسبة لإسكندر عزيز، كانت المشاركة في هذا العمل فرصة للتواجد في عمل ضخم ذي طابع إنتاجي مختلف، وفتح له الباب أمام جمهور لم يكن مطّلعًا على تاريخه الطويل في المسرح السوري. أما عادل إمام، فاستفاد من حضور ممثل يحمل ثقافة مختلفة، وهو ما أضفى أبعادًا جديدة على الشخصيات والأحداث في العمل.

هذا التعاون أظهر مدى أهمية التواصل بين الفنانين العرب، وضرورة توحيد الجهود لإنتاج أعمال درامية تتحدث إلى وجدان الجمهور العربي، وتتناول قضاياه بروح جماعية. وقد عبّر كثير من النقاد عن رغبتهم في رؤية تعاونات مستقبلية مشابهة، خاصة مع فنانين متميزين من أمثال إسكندر عزيز.

تقدير متبادل خلف الكواليس

ما لا يعرفه الكثيرون هو العلاقة الودية التي نشأت بين الفنانين خلال التصوير. فقد أبدى عادل إمام إعجابه الشديد بثقافة إسكندر الواسعة وهدوئه المهني، بينما عبر عزيز عن احترامه لفكر إمام وجرأته في تناول قضايا معقدة.وكان من المألوف رؤيتهما يتحاوران خارج التصوير عن المسرح العربي، ومستقبل الدراما، مما منح العمل جوًا إنسانيًا انعكس إيجابًا على الأداء الفني.

الدراما كجسر بين الثقافات

تمثل تجربة “فرقة ناجي عطا الله” نموذجًا فنيًا لما يمكن أن تثمر عنه الدراما حين تتجاوز حدودها الجغرافية. فقد ساعد وجود ممثلين من خلفيات عربية متنوعة على إيصال رسائل متعددة، بلغة يفهمها الجميع.هذه التجربة أثبتت أن الفن العربي بحاجة ماسّة إلى مزيد من الانفتاح والتعاون، من أجل تقديم أعمال تعكس الواقع العربي بتعقيداته وتنوعه.

خاتمة

قصة اللقاء بين إسكندر عزيز وعادل إمام ليست مجرد تعاون فني عابر، بل هي لحظة التقاء بين تاريخين طويلين في مسارين متوازيين. فيها عبرت الموهبة والاحترام والثقافة لتتحد في مشهد واحد، يُعد بمثابة درس في قيمة التعدد والتكامل.ومن هنا، يصبح هذا اللقاء رمزًا لما يمكن أن يكون عليه الفن العربي حين يجتمع على أرضية مشتركة من الشغف والرؤية، ليخاطب إنسان هذا العصر، بلغته وهمومه وأحلامه.