الأديان في أفغانستان 

تُعد أفغانستان واحدة من أكثر دول آسيا تعقيدًا من حيث التركيبة الدينية والثقافية، حيث تتشابك المعتقدات والعادات مع التاريخ العريق والحاضر المضطرب. ورغم أن الإسلام هو الدين السائد، إلا أن الماضي الأفغاني يكشف عن عمق تنوع ديني وثقافي استمر لمئات السنين، حتى تآكل بفعل الحروب والتحولات السياسية. في هذا المقال، نتناول خريطة الأديان في أفغانستان، ونرصد حضورها، تحوّلاتها، وأبرز التحديات التي تواجهها، مع تسليط الضوء على خلفيات تاريخية وجغرافية مهمة لفهم المشهد الديني هناك.

الإسلام: الدين الرئيسي في أفغانستان

يُشكل الإسلام العمود الفقري للهوية الوطنية في أفغانستان، إذ يدين به أكثر من 99% من السكان. يتوزع المسلمون بين السنة الذين يمثلون الأغلبية العظمى، وأتباع المذهب الشيعي الذين يشكلون أقلية بارزة. المذهب الحنفي هو الأكثر انتشارًا في البلاد، وهو ما يعكس تاريخ التأثير العثماني والهندي في المنطقة. المساجد تُعد مركزًا للحياة المجتمعية، وغالبًا ما تُستخدم أيضًا كمكان للتعليم والمداولات المحلية. ويُلاحظ أن التعليم الديني التقليدي عبر المدارس الدينية (المدارس) لا يزال يلعب دورًا محوريًا في تربية الأجيال الجديدة، خاصة في المناطق الريفية.

الطوائف الشيعية في أفغانستان

رغم كونهم أقلية عددية، فإن للطائفة الشيعية، خاصة طائفة الهزارا، تأثيرًا ثقافيًا ومجتمعيًا لا يُستهان به في أفغانستان. يتركز وجودهم في إقليم باميان وأجزاء من كابول ومزار شريف. يتبع معظمهم المذهب الجعفري، ويتعرضون في بعض الفترات لضغوط سياسية واجتماعية شديدة. في السنوات الأخيرة، سُجلت اعتداءات عديدة استهدفت تجمعات شيعية، مما أدى إلى موجات نزوح داخلية وتزايد الهجرة نحو الدول المجاورة. ورغم هذه التحديات، يُعرف الهزارا بانخراطهم الكبير في التعليم والعمل المدني، وبرز منهم سياسيون وأدباء في المشهد الوطني.

الديانات الأخرى: الهندوسية والبوذية والزرادشتية

قبل انتشار الإسلام، كانت أفغانستان موطنًا للعديد من الديانات، أبرزها البوذية التي ازدهرت في منطقة باميان، حيث وُجدت تماثيل بوذا الشهيرة التي دمرتها حركة طالبان في عام 2001. كذلك، كانت الزرادشتية منتشرة في أقاليم متاخمة لإيران الحالية، في حين أسست الطوائف الهندوسية والسيخية وجودًا ملموسًا في المدن الكبرى مثل كابول وغزني. في العقود الأخيرة، تراجع الوجود الفعلي لأتباع هذه الديانات إلى حدود ضئيلة بسبب الحروب والنزاعات الدينية. وتشير التقارير الحديثة إلى أن عدد الهندوس والسيخ المتبقين لا يتجاوز بضع مئات، بعد أن كانوا بالآلاف قبل عقود قليلة.

التحولات السياسية وتأثيرها على الأديان

السياسة والدين في أفغانستان وجهان لعملة واحدة، والتبدلات السياسية دائمًا ما تنعكس على المناخ الديني. أثناء حكم طالبان الأول، تم فرض تفسير متشدد للشريعة، ما قلص حرية التعبير والممارسات الدينية غير السنية. وبعد الغزو الأمريكي عام 2001، شهدت البلاد فترة من الانفتاح النسبي، سمحت ببروز أشكال جديدة من التدين، وحرية نسبية في الممارسات الطائفية. ولكن مع عودة طالبان للحكم في 2021، عاد التضييق الديني إلى الواجهة، وتزايدت المخاوف من اندثار التنوع الديني. كثير من المعابد الهندوسية والزرادشتية تحوّلت إلى أطلال صامتة، أو استُخدمت لأغراض غير دينية.

التحديات التي تواجه الأقليات الدينية

أبرز ما يواجه الأقليات الدينية في أفغانستان هو الانعدام شبه الكامل للحماية القانونية، مما يجعلهم عرضة للتهميش الاجتماعي والاضطهاد. لا توجد قوانين تضمن حرية الدين بشكل فعلي، وغالبًا ما تُستغل الاتهامات بالتجديف لأغراض سياسية أو انتقامية. كما تعاني النساء المنتميات إلى هذه الأقليات من طبقة مضاعفة من التهميش، حيث يتقاطع الاضطهاد الديني مع القمع القائم على النوع الاجتماعي. أضف إلى ذلك أن مؤسسات التعليم الرسمية نادرًا ما تُدرج أي إشارات إلى الديانات غير الإسلامية، مما يؤدي إلى انعدام الوعي العام بها ويُكرّس الصور النمطية السلبية عنها.

مستقبل الأديان في أفغانستان

يبدو أن مستقبل الأديان في أفغانستان مرهون بقدرة البلاد على تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية. إن استمرار إقصاء الأقليات الدينية يهدد بالقضاء على التنوع الثقافي والديني الذي لطالما ميّز أفغانستان في تاريخها الطويل. ومع ذلك، لا تزال هناك جهود فردية وجماعية في الداخل والخارج تحاول الحفاظ على هذا الإرث. بعض المعابد جرى ترميمها بتمويل من الشتات الأفغاني، فيما تُبذل مساعٍ دولية لضمان مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، بما يشمل حرية الدين والمعتقد. ويبقى الأمل قائمًا في أن يتجه المستقبل نحو المصالحة والتعددية بدلًا من الانغلاق والاستقطاب.