تتمتع إيران بتاريخ طويل ومعقد من التعددية الدينية والمذهبية، يعود إلى آلاف السنين، ويشمل حضارات وديانات متعددة تعاقبت على أراضيها. ورغم أن الجمهورية الإسلامية تُعرف عالميًا بنظامها القائم على المذهب الشيعي الاثني عشري، إلا أن الواقع الديني والاجتماعي أكثر تنوعًا مما يبدو في النظرة العامة. تُعتبر قضية الأديان في إيران موضوعًا غنيًا ومركبًا، يتطلب الغوص في تفاصيل الطوائف والمذاهب والديانات المختلفة، وسبر العلاقات بينها وبين الدولة، من حيث الحضور والتحديات والتمثيل.
أقسام المقال
- الإسلام في إيران: الهيمنة الشيعية والتنوع السني
- المسيحية في إيران: حضور تاريخي وتحديات معاصرة
- اليهود في إيران: جالية صغيرة بتاريخ عريق
- الزرادشتية: الدين القديم في إيران الحديثة
- البهائية: أكبر أقلية دينية غير معترف بها
- الديانات الأخرى: التنوع الديني في الهامش
- اللا دينية والإلحاد: ظاهرة متنامية تحت القيود
- خاتمة: التعددية الدينية بين الواقع والتحديات
الإسلام في إيران: الهيمنة الشيعية والتنوع السني
الإسلام هو الدين الرسمي في إيران، وينص الدستور الإيراني على أن المذهب الشيعي الاثني عشري هو المرجعية العليا للدولة. يُشكل المسلمون ما يقارب 99% من إجمالي السكان، وغالبيتهم العظمى من الشيعة. لهذا الانتماء أثر كبير على جميع مناحي الحياة، بدءًا من التعليم والمناهج الدينية، مرورًا بالقضاء، وانتهاءً بالتشريعات التي تُبنى في الغالب على فقه المرجعية الشيعية. تلعب الحوزات العلمية، خصوصًا في مدينة قم، دورًا محوريًا في تشكيل الفكر الديني والسياسي.
ورغم هذه الغلبة الشيعية، لا يمكن إغفال الوجود السني الملحوظ في بعض المناطق الجغرافية، خصوصًا في إقليم سيستان وبلوشستان، وكردستان، وخوزستان، وتركمان صحراء. يتبع السنة المذاهب الحنفية والشافعية، ويُواجهون صعوبات في ممارسة شعائرهم بشكل علني في بعض المدن الكبرى. كما يُمنعون من بناء مساجد في العاصمة طهران رغم كثافتهم النسبية فيها. ومع ذلك، تُقام صلوات الجماعة السنية بشكل غير رسمي في بعض البيوت أو القاعات الخاصة.
المسيحية في إيران: حضور تاريخي وتحديات معاصرة
للمسيحية جذور عميقة في الأراضي الإيرانية تعود إلى القرون الأولى للميلاد. اليوم، يُشكل المسيحيون أقلية معترف بها رسميًا، وينتمي معظمهم إلى الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، مع وجود أقل للآشوريين والكلدان. هناك أيضًا عدد متزايد من المتحولين إلى المسيحية من خلفيات مسلمة، وهو ما يجعل هذه الظاهرة مثار قلق للسلطات.
يُسمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم في كنائس مرخصة، كما يملكون مدارسهم الخاصة ويُمثلون في البرلمان. ومع ذلك، تُفرض عليهم قيود عديدة في ما يتعلق بالنشاط التبشيري أو طباعة الكتب الدينية، ويُمنع التحول من الإسلام إلى المسيحية رسميًا، مما يُعرض المتحولين للملاحقة. حالات الاحتجاز والمضايقات متكررة خصوصًا لأولئك الذين يشاركون في الكنائس المنزلية.
اليهود في إيران: جالية صغيرة بتاريخ عريق
تُعد إيران من البلدان القليلة في الشرق الأوسط التي لا تزال تضم جالية يهودية نشطة، رغم التوتر المزمن بين النظام الإيراني وإسرائيل. يعود وجود اليهود في إيران إلى أكثر من 2700 عام، منذ زمن السبي البابلي، وهم يشكلون واحدة من أقدم الجاليات الدينية في البلاد.
ورغم أن عددهم تقلص بسبب الهجرة بعد الثورة الإسلامية، لا تزال طهران وأصفهان وشيراز تضم معابد يهودية نشطة، وتتوفر لهم مدارس ودار رعاية خاصة. يتمتع اليهود بحماية قانونية نسبية مقارنةً ببعض الأقليات الأخرى، لكنهم يواجهون أيضًا تحديات في ما يتعلق بالمشاركة السياسية أو التوظيف في مناصب حكومية حساسة. يُتهم البعض بالخوف من التحدث علنًا بسبب الوضع السياسي المعقد.
الزرادشتية: الدين القديم في إيران الحديثة
الزرادشتية هي ديانة إيرانية قديمة، كانت الديانة الرسمية للإمبراطورية الساسانية قبل دخول الإسلام. لا يزال أتباعها موجودين في إيران، خاصة في مدينة يزد وكرمان، ويُعرفون بتقديسهم للنار والاهتمام بالعناصر الطبيعية.
رغم أنهم يتمتعون باعتراف رسمي، إلا أن أعدادهم تتناقص تدريجيًا، بسبب الهجرة وانخفاض معدلات الإنجاب. يُمارس الزرادشتيون طقوسهم في صمت، ويتجنبون عادة الانخراط في السياسة. يحتفظون بأعيادهم الخاصة مثل النوروز وسده، ويسعون جاهدين للحفاظ على معابدهم التقليدية رغم التحديات العمرانية والاقتصادية.
البهائية: أكبر أقلية دينية غير معترف بها
تُعد الديانة البهائية، التي نشأت في إيران في القرن التاسع عشر، من أكثر الأديان تعرضًا للاضطهاد في الجمهورية الإسلامية. لا يعترف النظام الإيراني بالبهائية كدين رسمي، ويُعتبر أتباعها “خارجين عن الإسلام”، مما يؤدي إلى حرمانهم من كثير من الحقوق المدنية.
يُواجه البهائيون حملات ممنهجة تشمل المنع من التعليم الجامعي، ورفض توظيفهم في المؤسسات الحكومية، بل وحتى مصادرة ممتلكاتهم أحيانًا. يتهمهم الإعلام الرسمي بالعمالة أو الانحراف العقائدي، ما يزيد من الوصمة الاجتماعية تجاههم. ورغم ذلك، تواصل الطائفة البهائية التمسك بإيمانها وممارسة شعائرها في إطار محدود وسري غالبًا.
الديانات الأخرى: التنوع الديني في الهامش
إلى جانب الأديان الرئيسية، تحتضن إيران أيضًا جماعات دينية أصغر مثل الصابئة المندائيين الذين يتركزون في خوزستان ويقدسون الماء والنبي يحيى. كما توجد طائفة اليارسان أو أهل الحق، وهي جماعة صوفية ذات طقوس خاصة تنتشر في غرب البلاد، لكنها تعاني من الإقصاء وعدم الاعتراف.
توجد أيضًا أقليات هندوسية وبوذية في بعض المناطق، أغلبهم من المقيمين الأجانب أو العاملين في السفارات والشركات. ورغم أنهم لا يشكلون كتلة اجتماعية كبيرة، إلا أن وجودهم يساهم في تشكيل فسيفساء دينية فريدة داخل النسيج الإيراني.
اللا دينية والإلحاد: ظاهرة متنامية تحت القيود
تشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن نسبة غير المتدينين والملحدين في إيران في ازدياد، خاصة بين فئة الشباب والمثقفين. هذا التوجه ينبع من تداخل الدين بالدولة، وما يرافقه من قيود اجتماعية وسياسية، ما يدفع بعض الإيرانيين للابتعاد عن الأطر الدينية التقليدية.
رغم غياب اعتراف قانوني بهذه الفئة، وانتشار المخاطر المرتبطة بالتصريح بالإلحاد، إلا أن النقاش حول حرية المعتقد أصبح أكثر حضورًا في الفضاء الإلكتروني، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات النقاش المغلقة. اللا دينيون يطالبون بحياد الدولة تجاه العقائد، واحترام الحقوق الفردية دون تمييز ديني.
خاتمة: التعددية الدينية بين الواقع والتحديات
تكشف خريطة الأديان في إيران عن واقع معقد يتراوح بين التنوع التاريخي والقيود المعاصرة. وبينما يحرص النظام الإيراني على تقديم صورة من التسامح الديني عبر الاعتراف ببعض الأقليات، إلا أن الواقع العملي يُظهر تفاوتًا واضحًا في الحقوق والحريات بين طائفة وأخرى.
إن مستقبل التعددية الدينية في إيران مرهون بإصلاحات قانونية ومجتمعية تضمن احترام حرية المعتقد والتعبير، وتُعزز من التمثيل العادل لجميع المكونات الدينية، بما في ذلك غير المعترف بها رسميًا. ورغم التحديات، يبقى الأمل قائمًا في بناء دولة تُنصف جميع أبنائها بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم.