تُعد المملكة الأردنية الهاشمية واحدة من الدول العربية التي تتمتع بتنوع ديني متوازن ومتماسك، رغم أن الإسلام يشكل الغالبية العظمى من سكانها. يُعرف عن الأردن أنه بلد يحترم الحريات الدينية ويحتضن أتباع مختلف الديانات السماوية وغير السماوية في إطار من التعايش والاحترام المتبادل. هذا التنوع لا يُعتبر فقط سمة مجتمعية، بل هو جزء من هوية الأردن التاريخية والحضارية، حيث أن أراضيه كانت منذ القدم ملتقى للديانات والثقافات.
أقسام المقال
الإسلام في الأردن: الدين الرسمي والأكثر انتشارًا
يمثل المسلمون الغالبية الساحقة من سكان الأردن، إذ يُشكلون حوالي 97.2% من مجموع السكان. الغالبية الساحقة من هؤلاء يتبعون المذهب السني، وتُشرف وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية على تنظيم الحياة الدينية، وإدارة المساجد، وإعداد الخطب والدروس الدينية في جميع محافظات المملكة. كما أن للمؤسسات الدينية دورًا محوريًا في التعليم والثقافة العامة، مما يعزز القيم الإسلامية في مختلف مناحي الحياة.
تُظهر المظاهر الإسلامية بقوة في الشوارع الأردنية من خلال الأذان اليومي، وانتشار المساجد، واحتفالات الأعياد الدينية، والأنشطة الخيرية في رمضان. كما تنتشر الطرق الصوفية مثل القادرية والرفاعية، ولها أتباع ونشاطات دينية منتظمة، خاصة في القرى والضواحي التي لا تزال تحافظ على الروابط الروحية التقليدية.
المسيحية في الأردن: حضور تاريخي وتعايش سلمي
يشكل المسيحيون الأردنيون ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد، وتعود جذورهم إلى فترات ما قبل الإسلام، مما يجعل وجودهم جزءًا أصيلًا من تاريخ المنطقة. يُقدر عددهم اليوم بما يقارب 250,000 نسمة، ينتمون إلى عدة طوائف منها الروم الأرثوذكس، اللاتين، الكاثوليك الملكيين، الأرمن، البروتستانت وغيرهم.
تتمتع الكنائس الأردنية بحرية تامة في ممارسة الشعائر، وإدارة شؤونها، كما تشارك الطوائف المسيحية في الحياة السياسية من خلال تخصيص مقاعد نيابية لهم، وإشراكهم في المجالس البلدية، وإتاحة الفرصة لهم لإدارة مدارسهم ومؤسساتهم الاجتماعية بحرية. ويُلاحظ التفاعل الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين في المناسبات الاجتماعية والدينية، بما يعكس روح التسامح الحقيقي.
الأقليات الدينية الأخرى في الأردن: تنوع ثقافي وديني
رغم أن عددها محدود، إلا أن الأقليات الدينية في الأردن تشكل بُعدًا مهمًا في النسيج الاجتماعي. من أبرز هذه الأقليات:
- البهائيون: يقدر عددهم بحوالي 1,000 شخص ويتركزون في منطقة العدسية. لا تُسجل ديانتهم رسميًا، إلا أنهم يعيشون بحرية ويمارسون طقوسهم الخاصة.
- الدروز: ويقدر عددهم بنحو 14,000 شخص، يعيشون بشكل رئيسي في الأزرق والزرقاء. لديهم طقوس خاصة وتقاليد مغلقة، وتُعتبر ديانتهم من الديانات التوحيدية ذات الطابع الفلسفي.
- المانديون (الصابئة): هاجروا إلى الأردن بعد حرب العراق، ويبلغ عددهم قرابة 1,400 شخص. ديانتهم تنبع من معتقدات قديمة، ويعتبرون يوحنا المعمدان نبيًا لهم.
- البوذيون والهندوس والسيخ: معظمهم من العمالة الوافدة من نيبال والهند وسريلانكا وتايلاند، لكن بعضهم حصل على الجنسية الأردنية، ويعيشون في مجتمعات صغيرة خاصة بهم.
رغم محدودية عدد هذه الطوائف، إلا أن وجودها يعكس انفتاح الدولة الأردنية، وسياستها الواضحة في احتضان التنوع واحترام الحريات الفردية.
التسامح الديني في الأردن: نموذج للتعايش السلمي
تتميز الأردن بتاريخ طويل من التسامح الديني والاحترام المتبادل، والذي انعكس بوضوح في المبادرات الرسمية والشعبية. من أبرز هذه المبادرات “أسبوع الوئام العالمي بين الأديان” الذي اقترحه الملك عبد الله الثاني على الأمم المتحدة في عام 2010. يهدف هذا الأسبوع إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين أتباع الديانات المختلفة، وقد أصبح يُحتفل به سنويًا عالميًا.
إلى جانب المبادرات الرسمية، تقوم مؤسسات تعليمية ودينية بتنظيم ورش عمل ومنتديات لتعزيز ثقافة قبول الآخر. كما يتجلى التسامح الديني في القرى المختلطة، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون والدروز والبهائيون في بيئة يسودها الاحترام والتعاون، ما يعكس نضج الوعي الاجتماعي بأهمية التنوع.
دور الدين في الحياة العامة والتعليم
يحظى الدين بمكانة مركزية في المنظومة التعليمية والثقافية الأردنية. تُدرّس مادة التربية الإسلامية في جميع المدارس الحكومية والخاصة، بينما يُتاح للمسيحيين دراسة مادة التربية المسيحية. كما تكرّس المناهج التعليمية قيم التسامح والاحترام، وتُشجع على الحوار والتعايش وقبول الآخر.
كذلك تُمارس الأنشطة الدينية والثقافية في الجامعات والمدارس، وتُنظم مسابقات في حفظ القرآن الكريم، وأخرى في التاريخ الديني والمعرفة الروحية، مما يعزز من ترسيخ القيم الدينية لدى الناشئة.
خاتمة: الأردن نموذج للتنوع الديني والتعايش السلمي
رغم موقعه الجغرافي في منطقة مضطربة دينيًا وسياسيًا، نجح الأردن في الحفاظ على نسيجه الاجتماعي المتنوع، وبناء نموذج فريد في التعايش الديني. إن الحريات الدينية المصانة، والمبادرات الحوارية، ودور الدولة المتوازن، جميعها جعلت من الأردن بيئة آمنة تحتضن الجميع دون تفرقة.
ويظل هذا التوازن الديني في الأردن ليس فقط عنصر استقرار داخلي، بل أيضًا نموذجًا يُحتذى به في المنطقة والعالم العربي في ظل تحديات متزايدة تهدد مفهوم التعددية والتسامح.