تُعد المملكة العربية السعودية من أكثر الدول ذات الطابع الديني المميز، حيث ترتبط هويتها السياسية والثقافية بالإسلام ارتباطًا عضويًا. نشأت الدولة السعودية على أسس دينية واضحة منذ تحالفها التاريخي بين آل سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر، مما شكّل أساسًا لما يُعرف بالفكر السلفي الوهابي. وبفضل موقعها الجغرافي الذي يحتضن أهم مقدسات المسلمين، صارت المملكة مركزًا روحيًا للعالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن الواقع الديني في السعودية لا يقتصر فقط على هذا الوجه الأحادي، بل يُظهر طيفًا من التعدد داخل المجتمع، سواء من حيث المذاهب الإسلامية أو من خلال وجود أقليات دينية غير مسلمة بين المقيمين.
أقسام المقال
التركيبة الدينية في السعودية
ينتمي غالبية المواطنين السعوديين إلى الإسلام السني، وتحديدًا إلى المذهب الحنبلي الذي يتبناه النظام الرسمي للدولة. وتُشكل هذه الأغلبية ما يناهز 85 إلى 90% من السكان، وهو ما يُعطي انطباعًا عامًا بالوحدة المذهبية. في المقابل، يُشكّل المسلمون الشيعة نسبة معتبرة من المواطنين، تتراوح ما بين 10 إلى 15%، مع تمركز واضح لهم في المنطقة الشرقية. ويُلاحظ في السنوات الأخيرة محاولات لتعزيز التفاهم الداخلي بين المكونات الإسلامية في إطار الهوية الوطنية الجامعة. أما غير المسلمين، فهم غالبًا من العمالة الوافدة، ويعيشون في نطاق ضيق من حرية العبادة الخاصة، دون السماح بإقامة دور عبادة علنية.
الشيعة في السعودية: واقع وتحديات
الوجود الشيعي في السعودية يمتد لقرون، وقد ساهم في تشكيل بعض ملامح الحياة الثقافية والاجتماعية في مدن مثل القطيف وسيهات والأحساء. إلا أن العلاقة بين الشيعة والدولة اتسمت بالتوتر في بعض الفترات، نتيجة التفاوت في التمثيل السياسي والحقوقي. تُقام الشعائر الشيعية بشكل محدود في الحسينيات والمساجد المخصصة، ويُلاحظ ارتفاع في مستويات التوعية الثقافية بين الجيل الجديد من الشيعة، الذين يطالبون بمزيد من التكامل والاعتراف بحقوق المواطنة الكاملة. وفي السنوات الأخيرة، بدأت الدولة تخطو خطوات محسوبة نحو فتح قنوات الحوار والتفاهم، ضمن مساعيها لتخفيف التوترات وتحقيق التماسك الاجتماعي.
غير المسلمين في السعودية: حضور محدود وممارسة مقيدة
غير المسلمين في المملكة هم في الغالب من المقيمين الأجانب الذين يعملون في قطاعات مثل البناء، والخدمات، والرعاية الصحية. ينتمي هؤلاء إلى طوائف وديانات متنوعة، مثل المسيحية والهندوسية والبوذية والسيخية، ويُقدّر عددهم بمئات الآلاف. وعلى الرغم من أن القانون لا يسمح بإقامة معابد أو كنائس، فإن الدولة تغض الطرف عن بعض الشعائر الخاصة التي تُقام ضمن الجاليات في نطاقات مغلقة. وتُظهر بعض التقارير أن هناك قداسات مسيحية خاصة أُقيمت في فنادق أو مساكن مغلقة في الرياض أو الظهران، في بادرة انفتاح نادرة. ويتطلع كثير من المقيمين إلى مزيد من التسهيلات في هذا الإطار بما يتماشى مع روح الانفتاح الذي تنشده رؤية 2030.
الإصلاحات الدينية في ظل رؤية 2030
مع إعلان رؤية السعودية 2030، أصبح واضحًا أن المملكة تنوي إعادة تشكيل علاقتها مع العالم ومع مجتمعها الداخلي بصورة أكثر مرونة. شملت هذه الرؤية تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع مستوى الرقابة على الخطب والدروس الدينية لضمان التوافق مع مفاهيم الوسطية والاعتدال. كما أُنشئت هيئات ثقافية وحوارية لتعزيز التفاهم مع الأديان الأخرى، أبرزها مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وبفضل هذه الجهود، بدأت تتشكل بيئة جديدة تنفتح تدريجيًا على التعدد داخل المجتمع، حتى وإن كانت الحدود لا تزال محكومة بضوابط الشريعة.
التعايش الديني في السعودية: بين الواقع والطموح
يشهد المجتمع السعودي تطورًا ملحوظًا في الخطاب العام حول مفاهيم التعايش الديني والتسامح. فقد أصبحت وسائل الإعلام تطرح نقاشات أوسع حول الهوية والانتماء، كما أن المناهج الدراسية بدأت تتجه تدريجيًا نحو التركيز على قيم التسامح واحترام الآخر. وتبرز في هذا السياق جهود حكومية لدعم الحوار الداخلي بين المذاهب الإسلامية، وتوفير فرص لتمكين النساء والشباب في برامج التعدد الثقافي والديني. كما أظهرت بعض الدراسات الاجتماعية أن المجتمع السعودي بدأ يتبنى خطابًا أقل حدة في النظر إلى المختلف دينيًا، خاصة في الأوساط الأكاديمية والحضرية.
المستقبل: نحو مجتمع أكثر شمولية وتسامحًا
إذا استمرت المملكة في مسارها الإصلاحي الحالي، فمن المتوقع أن تُحقق تطورًا كبيرًا في مجال التعايش الديني والمذهبي. فبناء مجتمع يتقبل التنوع ويتعامل معه بوعي لا يقتصر على سن القوانين، بل يحتاج إلى عمل تربوي وثقافي عميق. ويبدو أن القيادة السعودية تُدرك أهمية هذه التحولات، ليس فقط لتحسين صورة المملكة عالميًا، ولكن أيضًا لبناء مجتمع داخلي أكثر استقرارًا وتجانسًا. وفي ظل التغيرات المتسارعة، قد تصبح السعودية نموذجًا يُحتذى به في كيفية الجمع بين الهوية الدينية الواضحة والانفتاح على الآخر.
نظرة على الحريات الدينية ضمن المنظومة القانونية
رغم تحركات الانفتاح، لا تزال السعودية تحتفظ بقوانين صارمة تحكم الممارسات الدينية. فالدستور السعودي غير مكتوب، إلا أن النظام الأساسي للحكم ينص على أن القرآن والسنة هما المرجعان الرئيسيان، مما يُقيّد إمكانية إصدار تشريعات مدنية تحمي الحريات الدينية بشكل مستقل. لكن مع ذلك، يمكن ملاحظة تحولات تشريعية تدريجية، مثل تقنين التجمعات الثقافية والدينية غير الرسمية، وإن كانت تندرج غالبًا تحت مسمى “الأنشطة الاجتماعية” لتفادي الاصطدام مع القوانين الدينية.