الأديان في جزر المالديف

تتمتع جزر المالديف، تلك الدولة الجزيرة الساحرة الواقعة في قلب المحيط الهندي، بتركيبة دينية فريدة تجعلها من أكثر دول العالم تجانسًا من حيث العقيدة. وبالرغم من انفتاحها السياحي الواسع على الزوار من مختلف الأديان والثقافات، فإن المجتمع المحلي يحتفظ بعقيدة دينية موحدة، حيث يُشكل الإسلام الدين الرسمي والوحيد للسكان. ويُعد فهم السياق التاريخي والديني للمالديف ضروريًا لفهم طبيعة الحياة اليومية فيها، وطريقة تشكُّل هويتها الثقافية والدستورية.

التحول التاريخي للدين في جزر المالديف

شهدت جزر المالديف تحولات دينية مهمة عبر تاريخها، أبرزها الانتقال من البوذية إلى الإسلام. في العصور القديمة، كانت البوذية تُعد الديانة السائدة في الأرخبيل، نتيجةً للتأثيرات الثقافية القادمة من الهند وسريلانكا، حيث كانت الجزر جزءًا من شبكة تجارية دينية واسعة النطاق. وقد كشفت الاكتشافات الأثرية في بعض الجزر عن تماثيل وتماثيل نصفية لبوذا وأديرة حجرية تعود لمئات السنين.
لكن هذا المشهد تغيّر جذريًا في عام 1153م، عندما اعتنق الملك “دوميني” الإسلام على يد داعية مسلم يُعتقد أنه من المغرب أو اليمن. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الإسلام دين الدولة، وانتشرت المساجد بدلًا من الأديرة، وجرى تكييف النظام الإداري وفقًا للشريعة الإسلامية.

الإسلام كدين رسمي في جزر المالديف

يُعتبر الإسلام اليوم الدين الرسمي والوحيد المعترف به في جزر المالديف، بحسب ما ينص عليه الدستور الوطني الذي تم تحديثه في عام 2008. ينص هذا الدستور على شرط أن يكون جميع المواطنين المالديفيين من المسلمين، وأي شخص يخرج عن هذا الإطار يفقد مواطنته تلقائيًا. كما يُشترط على الرئيس، والوزراء، وجميع المسؤولين الرسميين أن يكونوا من المسلمين السنة.
ولا يقتصر التديّن في البلاد على النصوص الدستورية فقط، بل يتجلى في كافة نواحي الحياة، من القوانين المدنية إلى النظام التعليمي، إذ تعتمد البلاد بشكل واسع على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وتُدرّس المبادئ الإسلامية في جميع مراحل التعليم.

القيود على الحريات الدينية في جزر المالديف

تُفرض في جزر المالديف واحدة من أشدّ السياسات الدينية انغلاقًا، خصوصًا فيما يتعلق بالحريات الدينية للأقليات أو غير المسلمين. لا يُسمح بممارسة أي ديانة غير الإسلام علنًا، ويُمنع بناء دور عبادة غير المساجد، كما يُحظر استيراد أو توزيع المواد الدينية غير الإسلامية مثل الكتب المقدسة أو الرموز العقائدية. كما يُمنع على المسلمين تغيير دينهم أو الإعلان عن مواقف مناهضة للعقيدة.
الردة عن الإسلام تُعد من الجرائم الجنائية، وقد تُعرض صاحبها لعقوبات تصل إلى الإعدام، وإن لم تُنفذ فعليًا هذه العقوبة في العصر الحديث. إضافة لذلك، يُمنع التبشير أو عقد لقاءات دينية غير إسلامية، حتى وإن كانت خاصة، ما يعكس شدة الرقابة على المجال الديني.

دور وزارة الشؤون الإسلامية في جزر المالديف

تلعب وزارة الشؤون الإسلامية في المالديف دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية الدينية للدولة. أُنشئت هذه الوزارة لتنظيم وتوجيه الحياة الدينية، وتخضع لها جميع المساجد والمؤسسات الدعوية. وهي المسؤولة عن تعيين الأئمة، وتنظيم الخطبة الأسبوعية، وضمان التزامها بالمبادئ الشرعية المعتدلة، إضافة إلى تنظيم مناسك الحج والعمرة للمواطنين.
كما تتولى الوزارة إدارة أموال الزكاة، وترخيص المنشورات الدينية، ومراقبة المحتوى الديني في الإعلام، وتحديث المناهج التعليمية بما يتماشى مع تعاليم الإسلام السني المعتدل، الذي تُشدد الدولة على التزامه.

التحديات المتعلقة بالحريات الدينية في جزر المالديف

رغم وضوح السياسات الدينية في البلاد، فإن هذه الصرامة تُثير انتقادات دولية من منظمات حقوق الإنسان التي ترى أن المالديف تُقيد الحريات الدينية بشكل لا يتماشى مع المواثيق الدولية. وتواجه البلاد ضغوطًا متزايدة لإعادة النظر في قوانين الردة، ومنح مزيد من الحرية للأجانب في ممارسة شعائرهم.
من التحديات أيضًا تنامي بعض الخطابات الدينية المتشددة بين الشباب، خاصةً مع ظهور منصات إلكترونية تُروّج لأفكار راديكالية. وتعمل الدولة على موازنة التشدد والانفتاح، من خلال تكثيف جهود الإرشاد الديني المعتدل وتوفير فرص التعليم الشرعي المتزن.

الإسلام في الحياة اليومية في جزر المالديف

يتغلغل الإسلام في أدق تفاصيل الحياة اليومية للمالديفيين. تبدأ الحياة عند شروق الشمس بأذان الفجر، وتُغلق المحال التجارية خلال أوقات الصلوات الخمس. وتُبث التلاوات القرآنية في الإذاعات العامة، وتُحتفل الأعياد الإسلامية بطقوس دينية واجتماعية واسعة.
كما تحظى المناسبات الدينية مثل المولد النبوي، وليلة القدر، ويوم عاشوراء باهتمام كبير، وتُنظم احتفالات رسمية وشعبية بالمناسبة. وتنتشر المدارس القرآنية في مختلف الجزر لتعليم الأطفال قواعد التلاوة والحفظ، في حين يتم تشجيع الشباب على الدراسة في الجامعات الإسلامية بالخارج.

الدين والسياحة في جزر المالديف

تُعد السياحة أحد أعمدة الاقتصاد في المالديف، ورغم أن الزوار يأتون من خلفيات دينية متنوعة، إلا أن الدولة تضع قيودًا واضحة لضمان عدم تعارض نشاطاتهم مع القيم الدينية. تُخصص الجزر السياحية بأنظمة إدارية منفصلة عن الجزر السكنية، حيث يُسمح بتقديم المشروبات الكحولية وارتداء ملابس السباحة في المنتجعات فقط، وليس في الأماكن العامة للسكان المحليين.
يُمنع على السياح الترويج لأفكار دينية أو توزيع مطبوعات غير إسلامية، وتُراقب الأنشطة الثقافية بدقة. ورغم ذلك، يجد الزوار ترحيبًا دافئًا وتجربة ضيافة عالية المستوى ضمن الإطار المحافظ للبلاد.

خاتمة

جزر المالديف ليست مجرد وجهة سياحية فاخرة، بل هي مجتمع متماسك دينيًا يستمد قوته من وحدته العقائدية. يعكس الالتزام بالإسلام في المالديف ليس فقط التقاليد والموروث، بل أيضًا رؤية وطنية واضحة لترسيخ هوية ثقافية ودينية مستقرة. ورغم التحديات الدولية، تواصل البلاد تمسكها بمنهجها، في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق توازن دقيق بين الالتزام الديني والانفتاح السياحي والاقتصادي على العالم.