أفغانستان اليوم تمثّل نموذجًا بالغ التعقيد في منطقة جنوب آسيا، حيث تلتقي تقاطعات التاريخ العريق مع مشهد سياسي واجتماعي واقتصادي مأزوم. منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، أصبحت الحياة اليومية في البلاد محكومة بسلسلة من القيود والضغوط التي طالت جميع الفئات، خاصة النساء والأقليات، وسط انهيار شبه كامل للمؤسسات التي كانت تدير شؤون الدولة. في هذا المقال نستعرض ملامح الحياة في أفغانستان من عدة زوايا، لنفهم كيف يعيش الناس هناك، وكيف تتشابك التحديات مع آمال البقاء والصمود.
أقسام المقال
- الاقتصاد في أفغانستان: بين التحديات والفرص
- التعليم في أفغانستان: مستقبل غامض للأجيال القادمة
- الصحة في أفغانستان: نظام صحي على شفا الانهيار
- حقوق الإنسان في أفغانستان: تراجع مستمر
- الوضع الأمني في أفغانستان: استقرار هش
- المرأة في أفغانستان: كفاح يومي من أجل البقاء
- اللاجئون والنازحون: أزمة إنسانية صامتة
- الخاتمة: مستقبل غامض يتطلب تدخلًا دوليًا
الاقتصاد في أفغانستان: بين التحديات والفرص
في ظل الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، يرزح الاقتصاد الأفغاني تحت وطأة أزمات حادة. رغم تسجيل نمو محدود بلغ نحو 2.7% عام 2024، فإن هذا النمو لم ينعكس إيجابيًا على معيشة السكان، حيث يعيش أكثر من 55% من المواطنين تحت خط الفقر. سحب الاستثمارات الخارجية وتجميد الأصول الأفغانية في البنوك العالمية زاد من تعقيد المشهد. تعتمد الحكومة الحالية على توسيع تجارتها مع دول مثل روسيا، إيران، والصين، ووقعت عدة اتفاقيات لشراء السلع ودفع قيمتها بعملات محلية. ومع ذلك، يبقى السوق المحلي هشًا، والأسعار مرتفعة، والبطالة واسعة النطاق، مما يدفع بعض العائلات إلى الاعتماد على التحويلات المالية من الأقارب في الخارج كمصدر دخل رئيسي.
التعليم في أفغانستان: مستقبل غامض للأجيال القادمة
تضرر قطاع التعليم بشكل كبير عقب وصول طالبان إلى الحكم، خصوصًا مع منع الفتيات من مواصلة تعليمهن بعد الصف السادس. أدت هذه السياسة إلى تراجع نسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي والجامعي، وظهور جيل من الإناث محروم من فرص التعلُّم. كثير من العائلات كانت تأمل في تعليم بناتها لتحقيق مستقبل أفضل، لكنهن اليوم مجبرات على البقاء في المنازل، وبعضهن يتزوجن في سن مبكرة. على الجانب الآخر، تحاول بعض المدارس الخاصة تقديم دروس للفتيات بشكل غير رسمي في منازل المعلمين أو المساجد، رغم المخاطر القانونية. أما التعليم العالي، فقد شهد تقليصًا في عدد أعضاء هيئة التدريس وتضييقًا على التخصصات المرتبطة بالعلوم الاجتماعية وحقوق الإنسان.
الصحة في أفغانستان: نظام صحي على شفا الانهيار
يعاني النظام الصحي الأفغاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب مغادرة عدد كبير من الكوادر الصحية المؤهلة إلى الخارج. يتفاقم الوضع بالنسبة للنساء، إذ تُمنع العديد من الطبيبات والممرضات من العمل أو يُجبرن على الاستقالة. ويُعد الاشتراط بوجود محرم شرطًا تعجيزيًا في كثير من الأحيان، ما يعيق النساء عن الوصول للمراكز الصحية، خاصة في القرى النائية. حالات وفيات الأمهات والأطفال في ازدياد، والعديد من المرافق تعتمد على الدعم المحدود من منظمات دولية ما تزال تعمل بصعوبة في البلاد. كما تشهد بعض المحافظات تفشيًا لأمراض مثل السل وشلل الأطفال بسبب توقف حملات التطعيم وضعف الرقابة الصحية.
حقوق الإنسان في أفغانستان: تراجع مستمر
تعيش أفغانستان اليوم في ظل قيود صارمة على الحريات العامة، وغياب شبه كامل لحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية. النساء هنّ الأكثر تضررًا، إذ مُنعن من العمل في القطاعات الحكومية وغير الحكومية، باستثناء بعض المجالات المحدودة مثل التمريض والتعليم في المناطق الريفية. أُغلقت معظم مراكز الدعم النفسي للنساء، وتمت مداهمة عدد من الجمعيات التي كانت تقدم المساعدة القانونية. أما الإعلام، فصار يخضع للرقابة الشديدة، وتوقفت عشرات الصحف والقنوات عن العمل، بينما يتعرض الصحفيون للملاحقة أو الاعتقال لمجرد تغطية مظاهرة نسائية أو نشر تقرير ينتقد السلطات.
الوضع الأمني في أفغانستان: استقرار هش
رغم انخفاض نسبي في مستوى العنف مقارنة بفترة ما قبل 2021، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من تفجيرات وهجمات متفرقة تنفذها جماعات متطرفة كتنظيم “داعش – خراسان”، مستهدفة مساجد، مراكز تعليمية، وحتى قوات الأمن التابعة لطالبان. المناطق الحدودية مع باكستان تشهد اشتباكات متكررة، خصوصًا في إقليم كونار. التوترات القبلية والصراعات بين الفصائل المسلحة تظهر بين حين وآخر، ما يجعل الاستقرار الأمني هشًا. كثير من العائلات نزحت من مناطق القتال إلى المدن الكبرى، مما شكل ضغطًا إضافيًا على البنية التحتية الضعيفة في كابل وقندهار ومزار شريف.
المرأة في أفغانستان: كفاح يومي من أجل البقاء
تواجه المرأة الأفغانية أقسى الظروف منذ عقود، حيث أُعيدت إلى دائرة الظل بعدما كانت قد قطعت شوطًا طويلًا في المشاركة الاجتماعية والاقتصادية. القوانين غير المكتوبة التي فرضتها طالبان قلّصت من حركتها، وأجبرتها على ارتداء النقاب الكامل، ومنعتها من السفر دون محرم أو دخول الحدائق العامة. معظم النساء اللواتي كنّ يعملن في الصحافة، القضاء، أو المنظمات الدولية، تم إجبارهن على الاستقالة، وبعضهن تعرض للاعتقال عند محاولة تنظيم مظاهرة سلمية. ومع ذلك، فإن بعض النساء ما زلن يُدرن مشروعات صغيرة داخل منازلهن، مثل الخياطة وصنع الحلويات، في محاولة للبقاء اقتصاديًا.
اللاجئون والنازحون: أزمة إنسانية صامتة
أدت الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية إلى موجة جديدة من النزوح الداخلي واللجوء الخارجي. أكثر من 4.5 ملايين أفغاني نزحوا داخليًا بسبب القتال أو الفقر، ويعيشون في خيام أو مساكن بدائية تفتقر إلى الخدمات الأساسية. في الخارج، يستمر تدفق اللاجئين إلى باكستان وإيران وتركيا، مع قصص مؤلمة عن معاناة في المعابر ورفض لطلبات اللجوء. تشير منظمات دولية إلى أن هؤلاء اللاجئين لا يحصلون على دعم كافٍ، ويُجبر بعضهم على العودة قسرًا إلى أفغانستان رغم الخطر. هذه الأزمة تمثل عبئًا متزايدًا على الدول المجاورة، وتُظهر الحاجة لتدخل دولي أكثر فعالية.
الخاتمة: مستقبل غامض يتطلب تدخلًا دوليًا
ما تشهده أفغانستان اليوم لا يُعدّ مجرد أزمة عابرة، بل هو تحول جذري في شكل الدولة والمجتمع، بما يهدد مستقبل الأجيال القادمة. استمرار التدهور الاقتصادي، وإغلاق أبواب التعليم، وتراجع الحريات، كل ذلك يُنذر بتفاقم المعاناة إذا لم يُبذل جهد دولي جماعي للمساهمة في حل الأزمة. الحل لا يكون فقط بتقديم المساعدات، بل يتطلب حوارًا جادًا يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع الأفغاني، خاصة النساء، في رسم ملامح مستقبل البلاد. فالشعب الأفغاني، رغم كل شيء، لا يزال يتمسك بالأمل، ويحاول بناء حياة كريمة وسط الأنقاض.