الدين الرسمي في أفغانستان 

تمثل أفغانستان حالة فريدة في العالم الإسلامي من حيث التديُّن الشديد والتجانس الديني بين سكانها، إذ يشكّل الإسلام القاعدة المركزية التي تدور حولها القوانين والعادات، بل وتتشكل منها الهوية الوطنية ذاتها. ويُلاحظ أن الطابع الإسلامي في أفغانستان ليس ناتجًا عن مجرد انتماء اسمي، بل هو مُتجذِّر في تفاصيل الحياة اليومية، ويُعبِّر عن نفسه في الممارسات الاجتماعية، والقوانين، والتعليم، وحتى السياسة. لذا فإن الحديث عن الدين الرسمي في أفغانستان يستلزم فهمًا عميقًا للتركيبة الدينية التاريخية والمعاصرة، وكيفية تفاعلها مع المجتمع والدولة.

الإسلام في أفغانستان: النسبة والانتشار

يُعتبر الإسلام الدين الرسمي للدولة، ويعتنقه أكثر من 99% من سكان أفغانستان، في واحدة من أعلى نسب التديُّن الإسلامي في العالم. ينتمي معظم السكان إلى المذهب السني الحنفي، بنسبة تتراوح بين 85% إلى 90%، بينما يتبع المذهب الشيعي الإثني عشري، خصوصًا في ولايات مثل باميان وغزني وكابل، نسبة تُقدَّر بـ 10% إلى 15%. وتوجد أيضًا أقلية إسماعيلية في مناطق محددة من الشمال.

تؤثر الانتماءات المذهبية بشكل مباشر على توزيع السلطات والنفوذ المحلي، كما يظهر ذلك في العلاقة بين المكونات السنية والشيعية، خاصة خلال الأزمات السياسية. إلا أن هذا التباين لم يمنع تعايشًا طويل الأمد بين المذاهب، يتعرض أحيانًا للانتهاك نتيجة التجاذبات السياسية أو تصاعد خطاب الجماعات المتطرفة.

التاريخ الديني لأفغانستان

تُعد أفغانستان من أوائل المناطق التي دخلها الإسلام بعد الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، عندما امتد نفوذ الدولة الأموية إلى خراسان. قبل الإسلام، كانت البلاد موطنًا للزرادشتية والبوذية، وتدل آثار مثل تماثيل بوذا في باميان على هذه الحقبة. ومع الفتح الإسلامي، تمأسس الإسلام تدريجيًا حتى أصبح الدين الرئيسي بلا منازع، مترافقًا مع انتقال ثقافي واسع.

خلال العصور الوسطى، ازدهرت المدارس الفقهية والعلمية في مدن أفغانستان الكبرى، مثل هرات وغزنة. وقد أسهم الموقع الجغرافي للبلاد في كونها نقطة التقاء للحضارات الإسلامية واللغات، ما عزز غناها الديني والثقافي.

الأقليات الدينية في أفغانستان

رغم أن الإسلام يشكل الغالبية الساحقة، إلا أن أفغانستان احتضنت أقليات دينية مثل السيخ والهندوس واليهود والمسيحيين والبهائيين. كانت هذه الأقليات أكثر حضورًا في العقود الماضية، خاصة في كابل وقندهار، حيث كان للسيخ معابد ومدارس خاصة بهم. إلا أن الحروب المتتالية، والصعود الإسلامي المحافظ، دفع معظم أفراد هذه الأقليات للهجرة إلى الهند أو الغرب.

اليوم، لا يتبقى من تلك الأقليات سوى بضع مئات من الأفراد الذين يعيشون في ظروف محفوفة بالتحديات، ولا يستطيعون ممارسة شعائرهم بحرية تامة. كما أن السلطات الحالية لا توفر حماية كافية لهم، بل يُنظر إليهم أحيانًا كأجانب أو كأقليات يجب “احترام وجودهم دون الاعتراف به”.

الدستور والحرية الدينية في أفغانستان

ينص دستور أفغانستان الذي تم إقراره عام 2004 على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، ويمنع سنّ أي قانون يتعارض مع تعاليمه. ويكفل الدستور حقوق غير المسلمين في ممارسة شعائرهم، لكن ضمن شروط معينة لا تتعارض مع “النظام العام الإسلامي”. غير أن التطبيق الفعلي لهذا البند يشهد تضييقًا واضحًا.

لا يُسمح بوجود كنائس أو معابد جديدة، كما لا يُتاح نشر ديانات أخرى أو التبشير بها. ويُعتبر الارتداد عن الإسلام جريمة قانونية قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام. وقد سجلت منظمات حقوق الإنسان عدة انتهاكات تتعلق بحالات اعتقال لمواطنين اتُّهِموا باعتناق ديانات غير الإسلام، أو بانتقاد الشريعة.

تأثير الإسلام على الحياة اليومية في أفغانستان

يشكل الإسلام الإطار المرجعي لكل تفاصيل الحياة اليومية في أفغانستان. تبدأ مظاهر هذا التأثير من أسماء الشوارع التي تحمل أسماء الخلفاء والصحابة، إلى قوانين الزواج والميراث التي تُطبق وفقًا للشريعة الإسلامية. في الأرياف، تحظى الفتاوى الدينية بوزن كبير يفوق أحيانًا القوانين الرسمية.

تقوم المدارس الحكومية والخاصة بتدريس التربية الإسلامية إلزاميًا، كما أن وسائل الإعلام تتقيَّد بخطاب ديني محافظ، خاصة في ظل حكم حركة طالبان التي تطبق تفسيرًا صارمًا للشريعة. يُمنع عرض الموسيقى النسائية أو صور النساء، وتُفرض ضوابط صارمة على اللباس والسلوك في الأماكن العامة.

أفغانستان تحت حكم طالبان: الواقع الديني الراهن

منذ عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس 2021، دخلت أفغانستان مرحلة جديدة من التشدد الديني، حيث أعادت الحركة فرض رؤيتها الخاصة للإسلام، والتي ترتكز على تطبيق صارم للفقه الحنفي والتقاليد القبلية. أُلغيت وزارة شؤون المرأة، وأُعيدت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما فُرض الحجاب الإجباري ومنعت النساء من العمل والتعليم فوق مرحلة الابتدائية.

تشهد البلاد حالة من القمع الديني المنظّم، ليس فقط ضد الأقليات غير المسلمة، بل حتى ضد من يُعبّرون عن فهم مختلف أو معتدل للدين. وقد أُغلقت العديد من المنظمات الثقافية والإعلامية، مما أدى إلى تراجع حرية التعبير.

التحديات المستقبلية أمام التنوع الديني في أفغانستان

تواجه أفغانستان تحديات هائلة في تحقيق التوازن بين الدين وحقوق الإنسان. فبينما يُعد الإسلام مكوِّنًا أساسيًا من الهوية الوطنية، فإن غياب التعددية الدينية وغياب الحريات الفردية يعرقلان الانفتاح والتقدم. إنّ غياب صوت الأقليات والنساء في صنع القرار يُضعف مناعة المجتمع تجاه الانغلاق، ويزيد من احتمالية وقوع صراعات داخلية.

في ظل الأوضاع الراهنة، تبدو الآفاق غامضة، لكن أي مشروع مستقبلي لبناء دولة مستقرة لا بد أن يمر عبر مراجعة العلاقة بين الدين والدولة، والتأسيس لمفهوم المواطنة التي تتسع للجميع دون تمييز.