الدين الرسمي في إيران 

يُعتبر الدين عنصرًا جوهريًا في البنية السياسية والاجتماعية لدولة إيران، حيث يتداخل العقائدي مع الإداري في نظام فريد من نوعه بالمنطقة والعالم. منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، أُعيد تشكيل مؤسسات الدولة لتتماشى مع التعاليم والمفاهيم الشيعية الإثني عشرية. وتُعطي الدولة للدين الرسمي مكانة سيادية تجعل منه مصدرًا للتشريع وموجهًا لكافة أنظمة الحكم والتعليم والثقافة. في هذا المقال، نستعرض الدين الرسمي في إيران، ونتناول طبيعة النظام الديني الحاكم، ووضع الأقليات، والتحديات التي تفرضها هذه التركيبة الدينية الصارمة.

الدين الرسمي في إيران: الإسلام والمذهب الشيعي الإثني عشري

يعترف الدستور الإيراني، الذي تم إقراره بعد الثورة الإسلامية، بالإسلام كدين رسمي للبلاد، مع تركيز واضح على المذهب الشيعي الإثني عشري باعتباره المرجعية الفقهية والسياسية العليا. لا يقتصر هذا الاعتراف على مستوى رمزي، بل يُعتبر المذهب الشيعي شرطًا دستوريًا لكل من يتولى مناصب عليا، خاصة منصب المرشد الأعلى للجمهورية. ويُبنى النظام القضائي والسياسي على الفقه الشيعي في مختلف المسائل، من المعاملات إلى الأحوال الشخصية والقانون الجنائي. هذا التكامل بين المذهب والدولة جعل إيران حالة دينية سياسية متفردة في العالم الإسلامي.

الاعتراف بالمذاهب الإسلامية الأخرى في إيران

رغم التركيز على المذهب الإثني عشري، إلا أن النظام الإيراني يقر، نظريًا، بحقوق أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، لا سيما المذاهب السنية كالشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، بالإضافة إلى المذهب الزيدي. ويُسمح لأتباع هذه المذاهب بإقامة شعائرهم الخاصة، وبناء مساجدهم، وإدارة شؤونهم الدينية في المناطق التي يشكلون فيها كثافة سكانية. لكن عمليًا، يُواجه السنة صعوبات في الحصول على تمثيل سياسي كافٍ، أو بناء مساجد في العاصمة طهران، ما يعكس نوعًا من التمييز غير المعلن ولكنه واضح في الواقع التنفيذي.

وضع الأقليات الدينية غير الإسلامية في إيران

من الناحية الدستورية، يُعترف بثلاث ديانات غير إسلامية في إيران: المسيحية واليهودية والزرادشتية. يُخصص لهم عدد محدود من المقاعد في البرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي)، وتُمنح لهم حرية إدارة شؤونهم الدينية والتعليمية. ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف لا يمتد إلى جميع الأديان، إذ يُحظر رسميًا على أتباع الديانة البهائية ممارسة شعائرهم أو تأسيس مؤسسات دينية. ويُعامل البهائيون كمواطنين من درجة ثانية، ويُمنعون من الدراسة في الجامعات الحكومية، أو تقلد وظائف حكومية عليا.

تأثير الدين على النظام السياسي في إيران

يستمد النظام السياسي الإيراني مشروعيته من مبدأ “ولاية الفقيه”، وهو مبدأ شيعي يعطي للفقيه العادل والمجتهد صلاحيات دينية وسياسية مطلقة. وبناء على هذا المفهوم، يتم اختيار المرشد الأعلى، وهو أعلى سلطة في الدولة، من بين كبار رجال الدين. هذا النظام يجعل من المرجعية الدينية المرجع الأول في جميع السياسات، بما في ذلك السياسات الخارجية، والعلاقات الدولية، والشؤون الاقتصادية. وتُهيمن المؤسسات الدينية على المجلس الأعلى للأمن القومي، والسلطة القضائية، ومجلس صيانة الدستور، ما يُكرس دورًا شموليًا للدين في الحُكم.

تأثير الدين على الحياة الاجتماعية والثقافية في إيران

يتغلغل الدين في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين في إيران. تُفرض قوانين دينية صارمة، مثل إلزامية الحجاب، والفصل بين الجنسين في الجامعات والمرافق العامة، ومنع الموسيقى الغربية أو الاحتفالات غير الإسلامية في بعض المناطق. تُشرف وزارة الإرشاد الإسلامي على المحتوى الإعلامي والثقافي، وتمنع كل ما يتعارض مع القيم الدينية. حتى مناهج التعليم العام تُصاغ بطريقة تعزز العقيدة الشيعية وتُروج للثورة الإسلامية، ما يخلق جيلاً متأثرًا بشكل مباشر بالمنظومة الدينية الرسمية.

التحديات والانتقادات المتعلقة بالدين الرسمي في إيران

تواجه إيران تحديات متزايدة نتيجة تغليب الدين على حساب الحريات الفردية والتعددية الفكرية. تنتقد منظمات حقوق الإنسان سياسات إيران تجاه الأقليات الدينية، وتُندد باضطهاد البهائيين، والتضييق على السنة، وتقييد حرية التعبير. داخليًا، ظهرت حركات شبابية واجتماعية تطالب بفصل الدين عن الدولة، خاصة بعد موجات القمع التي أعقبت احتجاجات واسعة النطاق منذ عام 2009، مرورًا بحراك 2019، ووصولًا إلى احتجاجات 2022 بعد وفاة مهسا أميني. هذه الاحتجاجات سلطت الضوء على أزمة شرعية تُعاني منها الدولة الدينية أمام تطلعات جيل جديد يبحث عن الحرية والانفتاح.

العلاقة بين الدين والسياسة الخارجية لإيران

لا يقتصر تأثير الدين الرسمي على الداخل الإيراني، بل يمتد إلى السياسات الإقليمية. تعتمد إيران على خطاب ديني شيعي في دعم جماعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وفصائل شيعية في العراق وسوريا. ويُشكل هذا الامتداد الطائفي أداة لنشر النفوذ الإيراني، لكنه في المقابل يُعرض البلاد لعزلة دبلوماسية من قبل الدول ذات الأغلبية السنية. كما تُستخدم المساجد والمراكز الثقافية في الخارج لنشر الفكر الشيعي، ما يُعد جزءًا من “التمدد العقائدي الإيراني” الذي يُثير قلق العديد من الحكومات العربية والغربية على حد سواء.

خاتمة

تمثل إيران نموذجًا نادرًا لدولة دينية تعتمد على مذهب محدد كمرجعية دستورية وسياسية. ورغم وجود اعتراف نسبي بالمذاهب والأديان الأخرى، فإن التركيبة السياسية تُبقي السلطة بيد المؤسسة الدينية الشيعية دون منازع. هذا النموذج، رغم صموده لعقود، يواجه الآن تحديات جدية، سواء من الداخل عبر أصوات التغيير، أو من الخارج نتيجة صراعات إقليمية وعزلة دولية. إن مستقبل الدين الرسمي في إيران سيكون مرهونًا بقدرة النظام على التكيف مع تطورات المجتمع الإيراني، ومتطلبات التوازن مع العالم.