تُعد المملكة الأردنية الهاشمية من الدول التي تلعب فيها العقيدة الدينية دورًا مركزيًا في تشكيل الهوية الوطنية، والسياسات العامة، ونظم التعليم والقضاء. الدين الإسلامي ليس فقط الأكثر انتشارًا بين السكان، بل يمثل أيضًا قاعدة أساسية للمنظومة القانونية والدستورية في البلاد. وفي هذا الإطار، يتجلى الإسلام كعنصر لا يمكن فصله عن النسيج الأردني، سواء من حيث التشريع أو القيم الاجتماعية أو حتى الحياة اليومية للمواطنين. في هذا المقال، نستعرض مكانة الإسلام في الأردن بشكل مفصل، كما نناقش أوجه التعدد الديني والتفاعل بين الدولة والمؤسسات الدينية، ونرصد كيف تتعامل المملكة مع الأقليات الدينية، ضمن إطار من التوازن الديني والاجتماعي.
أقسام المقال
الإسلام في الدستور الأردني
يحتل الدين الإسلامي مكانة محورية في الدستور الأردني، حيث تنص المادة الثانية صراحة على أن “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية”. هذا البند الدستوري لا يقتصر فقط على إعلان هوية الدولة الدينية، بل يتعداه ليؤثر في التشريعات والقوانين، ويضبط المعايير الأخلاقية والاجتماعية التي تسير عليها المؤسسات الحكومية. كما يُشترط أن يكون الملك أردنيًا مسلمًا من أبناء الأسرة الهاشمية، مما يعكس ارتباط النظام الملكي بالدين. وتجدر الإشارة إلى أن محكمة التمييز الشرعية تُعتبر المرجعية العليا في المسائل الفقهية، وهي مستقلة تمامًا عن المحاكم المدنية.
التركيبة الدينية في الأردن
يُشكل المسلمون السُّنة الأغلبية الساحقة من سكان الأردن بنسبة تتجاوز 97%، وتتوزع نسبتهم بشكل شبه موحد في مختلف المحافظات. بينما يمثل المسيحيون النسبة الأكبر من غير المسلمين، ويقدر عددهم بنحو 2.1% من السكان، ويتبعون طوائف مختلفة مثل الروم الأرثوذكس، واللاتين، والكاثوليك، والبروتستانت. كما توجد أقليات دينية صغيرة كالدروز والبهائيين، إضافة إلى بعض الأفراد من خلفيات دينية غير مُعلن عنها. وتتميز العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في الأردن بالتعايش والتسامح، حيث تحرص الدولة على إشراك الجميع في المناسبات الوطنية والدينية.
المذاهب الإسلامية في الأردن
يتبع غالبية المسلمين في الأردن المذهب السني، وتحديدًا المذهب الشافعي في جانب العبادات، بينما يُعتمد المذهب الحنفي في القوانين والمعاملات الشرعية، وهو ما يعود إلى تأثير المدرسة العثمانية في المنطقة. ولا توجد طوائف شيعية علنية مؤسسية، وإن كانت هناك بعض الأفراد الذين ينتمون للمذهب الشيعي ولكنهم غير نشطين تنظيميًا. كما تنتشر الطرق الصوفية، خاصة الطريقة الشاذلية والرفاعية، التي تمارس طقوسها في بيئة من الحرية النسبية، وغالبًا ما تنشط في المناسبات الدينية العامة مثل المولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج.
الحرية الدينية والتعددية
رغم أن الإسلام هو الدين الرسمي، إلا أن الأردن يُعتبر من الدول التي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية للأقليات، وذلك ضمن ضوابط النظام العام والآداب العامة. للمسيحيين الحق في بناء الكنائس وإدارة شؤونهم الدينية من خلال مجالس كنسية خاصة، كما يشاركون في الحياة السياسية والبرلمانية، وغالبًا ما يُخصص لهم مقاعد ضمن نظام الكوتا. إلا أن بعض الأقليات، مثل البهائيين أو غير المؤمنين، يواجهون تحديات في تسجيل عقائدهم رسميًا أو في الزواج ضمن الأطر القانونية المعترف بها.
دور المؤسسات الدينية
تلعب المؤسسات الدينية الرسمية في الأردن دورًا تنظيميًا وتوجيهيًا هامًا. فوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية تُشرف على أكثر من 7000 مسجد، وتُدير شؤون الحج والعمرة، وتُنظم خطب الجمعة الموحدة، وتُتابع عمل الأئمة والوعاظ. كما تُصدر دائرة الإفتاء العام الفتاوى الرسمية التي تُمثل المرجعية الفقهية للدولة، ويترأسها مفتي المملكة الذي يُعيَّن بأمر ملكي. وتُخصص الدولة ميزانيات سنوية كبيرة لدعم التعليم الديني، وتجهيز المساجد، وتدريب الدعاة.
التعليم الديني
يُعتبر التعليم الديني مكونًا أساسيًا في المناهج الدراسية الأردنية، إذ تُدرَّس مادة التربية الإسلامية بشكل إلزامي من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية. وتُعنى هذه المادة بتعليم القيم الدينية، والسيرة النبوية، والأحكام الفقهية، بطريقة معتدلة تبتعد عن التشدد. كما يوجد العديد من الكليات الجامعية المتخصصة في الشريعة الإسلامية، وأبرزها كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، التي تُعد من أقدم وأعرق الكليات الدينية في البلاد. وتخرّج هذه المؤسسات العلماء والدعاة الذين يشغلون مناصب قيادية في الدولة وخارجها.
التعايش الديني
التعايش الديني في الأردن ليس مجرد شعار، بل واقع ملموس في الحياة اليومية للمواطنين. فالمسيحيون يشغلون مناصب سياسية واقتصادية بارزة، ويُشاركون في الانتخابات البلدية والنيابية، ويحتفل الأردنيون على اختلاف أديانهم بالأعياد الوطنية والدينية معًا. كما تُنظم الحكومة ندوات ومؤتمرات حول الحوار بين الأديان، وغالبًا ما يُشرف عليها الملك عبد الله الثاني شخصيًا، الذي يُعرف بدعمه لمبادرات السلام والحوار، مثل مبادرة “كلمة سواء” و”أسبوع الوئام بين الأديان”.
الزواج والقوانين الدينية
في الأردن، تُطبّق المحاكم الشرعية أحكام الشريعة الإسلامية على المسلمين في قضايا الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق والميراث. بينما تُطبّق المحاكم الكنسية قوانين الطوائف المسيحية على أتباعها. هذا النظام يُعطي نوعًا من الاستقلالية للأديان المختلفة في إدارة شؤونها، لكنه يخلق أيضًا بعض التحديات في حالات الزواج المختلط أو تغيير الديانة. ويُمنع قانونيًا التحول من الإسلام إلى ديانات أخرى، في حين يُسمح بالتحول إلى الإسلام.
الخلاصة
الإسلام هو الدين الرسمي في الأردن، وهو ما ينعكس بوضوح في التشريعات والدستور والمؤسسات. في المقابل، تسعى الدولة إلى احترام التنوع الديني وضمان حرية المعتقد وممارسة الشعائر، ضمن نظام يوازن بين احترام الأغلبية وصون حقوق الأقليات. ويُشكّل الأردن نموذجًا مميزًا في العالم العربي من حيث التعايش الديني، ويعكس تاريخه الطويل في التسامح والاعتدال قدرة الدولة على دمج الدين في الحياة العامة دون أن تُقصي الآخرين. من هنا، يمكن فهم الدين في الأردن كعنصر وحدة واستقرار، أكثر من كونه سببًا للفرقة أو الانقسام.