أقسام المقال
- الإسلام في دستور ما قبل الثورة
- قوانين سبتمبر وإرث الشريعة
- الثورة الشعبية وتغيير المفاهيم
- اتفاق جوبا 2020 كبداية التغيير
- الدستور الانتقالي لعام 2025: إعلان السودان دولة علمانية
- مضامين الدستور الجديدة
- ردود الفعل المجتمعية: انقسام وتفاعل
- واقع الممارسة مقابل النصوص
- الأقليات الدينية بعد 2025
- الدين والتعليم: فصل منهجي أم جزئي؟
- خاتمة: بين التحدي والفرصة
الإسلام في دستور ما قبل الثورة
قبل ثورة ديسمبر 2018، كان الإسلام يشكل الركيزة الأساسية للدستور السوداني، حيث نصت الوثائق الدستورية في عهد نظام البشير على أن “الإسلام هو مصدر التشريع”. هذا النص لم يكن رمزيًا فقط، بل تُرجم إلى قوانين حقيقية طبقت في المحاكم والسلوك العام، مثل قوانين النظام العام، وتحريم الخمور، وفرض الحجاب في بعض المؤسسات، وغيرها من التشريعات ذات الطابع الديني.
قوانين سبتمبر وإرث الشريعة
تعود جذور أسلمة الدولة السودانية بشكل مكثف إلى عام 1983، حين أعلن الرئيس جعفر نميري تطبيق “قوانين سبتمبر” التي كانت بداية لتقنين الشريعة الإسلامية بشكل منهجي. شملت هذه القوانين عقوبات مثل الجلد والقطع والرجم، وأثارت آنذاك جدلاً واسعًا حتى داخل الطيف الإسلامي، واعتبرها البعض وسيلة لشرعنة السلطة لا لتطبيق العدل.
الثورة الشعبية وتغيير المفاهيم
مع انطلاق الثورة الشعبية في ديسمبر 2018، والتي أطاحت بنظام البشير، ارتفعت الأصوات المنادية بضرورة إعادة تعريف هوية الدولة بما يتماشى مع التنوع السوداني. فالسودان ليس فقط بلدًا مسلمًا، بل يضم مسيحيين ولا دينيين وأتباع معتقدات أفريقية تقليدية، خصوصًا في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.
اتفاق جوبا 2020 كبداية التغيير
في عام 2020، تم توقيع اتفاق السلام في جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، وكان من أبرز بنوده التأكيد على فصل الدين عن الدولة. نص الاتفاق على أن “السودان دولة متعددة الأعراق والأديان والثقافات، ويجب أن يُحكم بدستور علماني يضمن حرية الدين والمعتقد”. هذا الاتفاق كان تمهيدًا للتعديلات الدستورية اللاحقة.
الدستور الانتقالي لعام 2025: إعلان السودان دولة علمانية
في تطور غير مسبوق، أعلن الدستور الانتقالي لعام 2025 أن السودان دولة علمانية، لا تتبنى دينًا رسميًا، وتحظر فرض أي معتقد ديني على المواطنين. هذا الإعلان التاريخي جاء بعد مفاوضات معقدة بين القوى السياسية وقوى الكفاح المسلح، وكان الهدف منه هو بناء دولة تقوم على المواطنة والعدالة والمساواة دون تمييز ديني.
مضامين الدستور الجديدة
يتضمن الدستور الانتقالي الجديد بنودًا واضحة حول حرية المعتقد والعبادة، ويمنع استخدام الدين كأداة سياسية. كما ينص على أن القضاء يجب أن يكون مدنيًا لا دينيًا، وأن المؤسسات التعليمية يجب أن تكون محايدة دينيًا، مع حماية حق الأفراد في ممارسة شعائرهم دون تدخل من الدولة.
ردود الفعل المجتمعية: انقسام وتفاعل
لم يكن التحول نحو العلمانية محل إجماع، بل أحدث انقسامًا في الشارع السوداني. فبينما رحب به نشطاء ومفكرون وحقوقيون بوصفه خطوة نحو دولة مدنية حديثة، عارضته جهات دينية محافظة وجماعات إسلامية تعتبر أن الهوية الإسلامية مكون أساسي للشخصية السودانية. وفي بعض المناطق، تم تنظيم احتجاجات رافضة لهذا التوجه.
واقع الممارسة مقابل النصوص
رغم ما جاء في النصوص الدستورية، إلا أن تطبيق مبادئ العلمانية على أرض الواقع يواجه تحديات كبيرة. بعض القوانين لا تزال تحمل طابعًا دينيًا، والمجتمع نفسه لم يتقبل بعد بشكل كامل فكرة فصل الدين عن السياسة. وتلعب العادات الاجتماعية والدينية دورًا في تشكيل هذا الرفض أو التردد.
الأقليات الدينية بعد 2025
منح الدستور الجديد مساحة أكبر للأقليات الدينية لممارسة طقوسهم بحرية، وأزال القيود التي كانت مفروضة سابقًا على الكنائس والتجمعات غير الإسلامية. كما بدأ بعض المسيحيين يشاركون بشكل أكبر في الحياة السياسية، وتم تمثيلهم في بعض اللجان الدستورية، وهو تطور كان غائبًا تمامًا في العقود الماضية.
الدين والتعليم: فصل منهجي أم جزئي؟
لا تزال قضية التعليم الديني موضع نقاش واسع. ففي الوقت الذي يدعو فيه الدستور إلى الحياد الديني، فإن المناهج الدراسية لا تزال تتضمن مضامين دينية بشكل مكثف، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية إصلاح التعليم بما يتماشى مع مبادئ الدولة المدنية.
خاتمة: بين التحدي والفرصة
يمثل إعلان السودان دولة علمانية لحظة فارقة في تاريخه، لكنها ليست نهاية الطريق. فالتحدي الأكبر يكمن في تطبيق هذه المبادئ وترسيخها في الوعي المجتمعي والسياسات العامة. ومع ذلك، فإن الخطوة تفتح آفاقًا جديدة لبناء دولة قائمة على المواطنة والعدالة واحترام التعدد، وهو ما تحتاجه البلاد للخروج من أزماتها التاريخية وتحقيق سلام شامل ومستدام.