الدين الرسمي في جيبوتي

جيبوتي، الدولة الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي على مضيق باب المندب، ليست مجرد بوابة تجارية تربط بين إفريقيا والعالم العربي، بل هي أيضًا أرض تتنفس الإسلام وتُجسّد في تفاصيل حياتها اليومية عمق الانتماء الديني. الدين الرسمي في جيبوتي ليس مجرد مادة في دستور الدولة، بل هو جزء حيّ من هوية الشعب، وثقافته، وسلوكياته. من المساجد التي تُزين الأحياء إلى الشعائر الرمضانية التي تُحيي الليالي، يُمكن تلمّس أثر الإسلام في كل زاوية من زوايا الحياة الجيبوتية.

الإسلام: دين الدولة والهوية الوطنية

يُعد الإسلام الدين الرسمي لجمهورية جيبوتي، كما ينص على ذلك دستور البلاد. ورغم أن الدولة تُعلن رسميًا احترامها لمبدأ حرية العقيدة، إلا أن الطابع الإسلامي متجذر بعمق في مؤسساتها الرسمية وسلوك سكانها. ويتبع معظم المسلمين في جيبوتي المذهب الشافعي، أحد المذاهب السنية الأربعة، ما يمنح البلاد وحدة مذهبية واضحة تُسهّل الانسجام الديني بين المواطنين.

نسبة المسلمين في البلاد والطوائف الأخرى

تشير التقديرات إلى أن نحو 94% من سكان جيبوتي يعتنقون الدين الإسلامي، ويُشكّل المسلمون غالبية مطلقة من السكان. أما النسبة المتبقية فتتوزع على أقليات مسيحية، ومعظمهم من أصول أجنبية أو من السكان المتأثرين بالاستعمار الفرنسي، إضافة إلى أقليات محدودة من الهندوس والبهائيين الذين يمارسون شعائرهم بعيدًا عن الأضواء.

الطقوس والمظاهر الإسلامية في الحياة اليومية

تُعتبر المظاهر الدينية في جيبوتي انعكاسًا حقيقيًا لتأثير الإسلام في الحياة اليومية. من المآذن التي يصدح منها الأذان خمس مرات يوميًا، إلى الاهتمام الكبير بشهر رمضان الذي يتحول إلى موسم روحاني واجتماعي، يعيش الشعب الجيبوتي الدين في تفاصيله الصغيرة والكبيرة. كما تُغلق المحلات التجارية خلال أوقات الصلاة، وتُعطل المؤسسات الحكومية في المناسبات الدينية.

المؤسسات الدينية ودور الدولة في تنظيم الشأن الإسلامي

تشرف وزارة الشؤون الإسلامية والثقافة على تنظيم الحياة الدينية في جيبوتي. وهي مسؤولة عن تعيين الأئمة، ومراقبة المساجد، وضمان توافق الخطاب الديني مع القيم الوطنية والوسطية. كما تقوم الوزارة بدور محوري في تنظيم مواسم الحج، وتوفير الدعم لحفظة القرآن الكريم، وتشجيع التعليم الديني في المدارس.

التعليم الديني: منهج متجذر في النشأة

منذ المراحل الدراسية الأولى، يتعرّف الأطفال في جيبوتي على مبادئ الدين الإسلامي، ويتم دمج دروس التربية الإسلامية ضمن المناهج المدرسية. كما تنتشر الكتاتيب القرآنية، حيث يُقبل الأطفال على حفظ القرآن وتعلم التجويد. ولا يقتصر التعليم الديني على المدارس فقط، بل يشمل حلقات العلم في المساجد والدورات الصيفية التي تُنظَّم بانتظام.

دور الصوفية في المجتمع الجيبوتي

رغم أن الطابع العام للدين في جيبوتي سني شافعي، إلا أن الطرق الصوفية تلعب دورًا بارزًا في نشر الوعي الديني وتعزيز الروابط المجتمعية. تنتشر الطريقة القادرية والطريقة الأحمدية بشكل خاص، ويُلاحظ في المواسم الدينية إقامة حلقات الذكر والموالد التي تعزز الأبعاد الروحية في نفوس المواطنين.

الأعياد الإسلامية كمناسبات وطنية

تُعتبر الأعياد الإسلامية في جيبوتي مناسبات رسمية تُعطى فيها عطلات، وتُقام خلالها احتفالات شعبية. في عيد الفطر، تتزين الشوارع وتُقام صلاة جماعية في الساحات، بينما يُعد عيد الأضحى فرصة لتجديد التكافل الاجتماعي من خلال توزيع الأضاحي على الفقراء. كما تُحيى ذكرى المولد النبوي الشريف بفعاليات دينية وثقافية.

حرية المعتقد: التعايش رغم الانتماء الإسلامي

على الرغم من هيمنة الإسلام كدين رسمي وأغلبية مطلقة، إلا أن جيبوتي تُعد من الدول التي تُظهر قدرًا ملحوظًا من التسامح الديني. فالمسيحيون، خصوصًا من أصول إثيوبية أو أوروبية، يُمارسون شعائرهم بحرية نسبية، وتوجد كنائس محدودة في العاصمة جيبوتي. ويُمنح غير المسلمين الحق في ممارسة شعائرهم داخل دور العبادة دون تدخل من السلطات طالما لم يُخلّ ذلك بالنظام العام.

الإسلام والسياسة في جيبوتي

لا يُمارس الإسلام في جيبوتي كأداة سياسية بالشكل المباشر، ولكن رموزه حاضرة في الخطاب السياسي، خاصة في المناسبات الوطنية والدينية. ويتم دائمًا التذكير بقيم التسامح والعدالة والرحمة المرتبطة بالإسلام، كما يتم الاحتفاء بالدين كعنصر جامع لوحدة الشعب الجيبوتي متعدد الأعراق.

خاتمة

في ظل ما يشهده العالم من صراعات دينية وتحديات عقائدية، تبرز جيبوتي كنموذج متوازن يجمع بين الانتماء الإسلامي الأصيل والانفتاح على التعدد الديني. الإسلام في جيبوتي ليس مجرد هوية دستورية، بل تجربة حية تتجدد في كل صلاة، وكل مناسبة دينية، وكل درس قرآني. وهذا ما يجعل الدين الرسمي في جيبوتي أكثر من مجرد وصف قانوني، بل هو روح الأمة النابضة.