الدين الرسمي في سلطنة عمان

تُعتبر سلطنة عمان من الدول التي استطاعت أن تحتفظ بهويتها الإسلامية المتجذرة بعمق في نسيجها الثقافي والاجتماعي، مع تميزها الكبير بالتسامح والانفتاح على الآخرين. منذ فجر الإسلام، كان لعمان دور بارز في تبني الدعوة المحمدية ونشرها، وهو ما جعل الدين عنصرًا محوريًا في تشكيل تاريخها وتوجهاتها. في هذا المقال، نتناول الدين الرسمي في سلطنة عمان، ونتوسع في فهم أبعاده التاريخية والمذهبية والاجتماعية، مع تسليط الضوء على التعايش الفريد الذي يميز هذه الدولة الخليجية.

الدين الرسمي في سلطنة عمان

ينص النظام الأساسي للدولة في سلطنة عمان على أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد، ويُعد مصدرًا رئيسيًا للتشريع. تُعتمد الشريعة الإسلامية كأساس قانوني وأخلاقي في الدولة، وتنعكس مبادئها في القوانين المدنية والجنائية والأحوال الشخصية. ومع ذلك، فإن هذه الصيغة الرسمية لا تُطبق بشكل صارم يحدّ من الحريات، بل تتكامل مع سياسة عمان المتسامحة التي تتيح حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين ضمن حدود القانون.

دخول الإسلام إلى سلطنة عمان

دخل الإسلام إلى أرض عمان في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديدًا في السنة السادسة للهجرة، حين بعث الرسول رسالة إلى ملكي عمان – جيفر وعبد أبناء الجلندى – يدعوهما إلى الإسلام. وبعد دراسة الرسالة ومضمونها، أعلنا إسلامهما دون إراقة دماء، لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ البلاد، قائمة على تعاليم الإسلام. وتميزت عمان منذ ذلك الحين بخصوصية مذهبية جعلتها تنفرد بالمذهب الإباضي، الذي ارتبط بجذورها منذ القرن الأول الهجري.

المذاهب الإسلامية في سلطنة عمان

عُرفت سلطنة عمان بتنوعها المذهبي داخل إطار الوحدة الإسلامية. يُشكل المذهب الإباضي الأغلبية الساحقة بين المواطنين بنسبة تُقدّر بنحو 45%، فيما ينتشر المذهب السني بنسبة تقدر بـ 50% تقريبًا في المناطق الساحلية الشمالية مثل محافظة الباطنة ومسقط، وتتركز أقلية شيعية بنسبة حوالي 5% في مناطق محددة كمسقط وصحار. هذا التعدد المذهبي لم يكن أبدًا عامل انقسام، بل شكّل بيئة خصبة للتسامح والتفاهم المتبادل بين جميع الأطياف، ما عزز من استقرار النسيج الاجتماعي العماني لعقود طويلة.

الإباضية: المذهب السائد في عمان

المذهب الإباضي هو السمة المميزة للدين في عمان، وهو أحد أقدم المذاهب الإسلامية وأكثرها تماسكًا عبر التاريخ. يتميز هذا المذهب برفضه للتطرف والغلو، ويعتمد على مبدأ الشورى والعقلانية في فهم النصوص الشرعية. ينتشر المذهب الإباضي في معظم محافظات السلطنة، ويشكل نحو 45% من إجمالي السكان، ويُعد مرجعية دينية للعديد من مؤسسات الدولة، كما ينعكس في طريقة تفسير القوانين وتشريعات الدولة المدنية. ورغم ارتباطه بأصول قديمة، فإن الفكر الإباضي في عمان متجدد ويتفاعل مع متطلبات العصر.

التسامح الديني والتعايش في سلطنة عمان

سلطنة عمان تُعد من الدول النموذجية في مجال التسامح الديني، سواء من حيث السياسات الرسمية أو الممارسات الاجتماعية. إذ يعيش على أرضها عشرات الآلاف من الوافدين غير المسلمين، يمارسون شعائرهم بحرية في معابدهم وكنائسهم. وتُشرف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على هذا التنوع باحترام وحيادية. ويُدرّس التسامح كمفهوم في المناهج الدراسية، كما يتم الترويج له من خلال الإعلام والمؤتمرات، ما يرسخ ثقافة قبول الآخر ويمنع بذور التعصب من النمو.

دور الدين في الحياة اليومية في عمان

يُمارس الدين في سلطنة عمان بشكل متوازن، بعيدًا عن التشدد أو الانعزال. تُمثّل المساجد مراكز دينية واجتماعية مهمة، ويتردد عليها العمانيون لأداء الصلوات وتلقي الدروس الدينية. كما يحظى شهر رمضان بمكانة خاصة، حيث تتعزز الروابط الاجتماعية وتُحيى الليالي بالصلوات والأنشطة الدينية. وتؤثر القيم الإسلامية على العادات اليومية، من احترام الكبير إلى رعاية الجار والعمل الخيري. وفي الأعياد، يظهر الطابع الديني والاجتماعي متداخلًا، ما يعكس مركزية الدين في حياة الناس.

الدين والتعليم في سلطنة عمان

يحظى التعليم الديني باهتمام رسمي وشعبي في سلطنة عمان. تُدرس مادة التربية الإسلامية في جميع المراحل التعليمية، وتركّز على القيم الروحية والأخلاقية، إلى جانب الفقه والسيرة النبوية. كما توجد معاهد متخصصة في الدراسات الإسلامية، أبرزها كلية العلوم الشرعية في مسقط، التي تُخرج كوادر علمية ودعوية تتولى الخطابة والإفتاء والتعليم. ويُعقد سنويًا عدد من المسابقات القرآنية، التي تعزز من مكانة القرآن الكريم في نفوس النشء، وتربطهم بهوية بلادهم الإسلامية.

خاتمة

في خضم التحولات العالمية السريعة، ظلت سلطنة عمان محتفظة بخصوصيتها الدينية والمذهبية التي تمثل ركيزة في كيانها الوطني. فالإسلام، بوصفه الدين الرسمي للدولة، ليس مجرد نص قانوني، بل هو أسلوب حياة ينعكس في سياسات الدولة وسلوكيات المجتمع. والتمسك بالإباضية، إلى جانب الانفتاح على المذاهب الأخرى، يخلق نموذجًا عمانيًا فريدًا في إدارة التنوع الديني. وهذا النموذج هو أحد أسرار استقرار السلطنة، وسبب رئيسي في سمعتها الإيجابية على الصعيدين الإقليمي والدولي.