الرواتب في أوكرانيا

تُعد قضية الرواتب في أوكرانيا من الموضوعات المحورية التي تعكس حالة الاقتصاد المحلي وتطور سوق العمل، في ظل تغيرات سياسية وأمنية عميقة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. مع استمرار تدفق المساعدات الدولية وتزايد دور الدولة في إدارة الأزمات، بدأ المواطنون يتطلعون إلى تحسن مستويات الدخل وتحقيق استقرار مالي أكبر. هذا المقال يستعرض بشكل شامل أحدث البيانات حول متوسط الرواتب، والحد الأدنى للأجور، والاختلافات الجغرافية والقطاعية، مع إلقاء نظرة على التوقعات المستقبلية في ظل الواقع الصعب الذي تمر به البلاد.

متوسط الرواتب في أوكرانيا

حتى منتصف عام 2025، وصل متوسط الراتب الشهري في أوكرانيا إلى نحو 24,400 هريفنيا (574 دولارًا أمريكيًا)، وهو ما يشير إلى زيادة ملحوظة بنسبة 25% مقارنة بالعام السابق. وتعكس هذه الزيادة جهود الدولة في تعديل الرواتب بما يتماشى مع ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة.

ومع ذلك، يُلاحظ أن هذه المعدلات لا تعني بالضرورة أن جميع فئات المجتمع تشعر بالتحسن الاقتصادي، إذ إن التفاوت في توزيع الأجور ما زال قائمًا، لا سيما في القطاعات غير النظامية أو المتضررة من الحرب مثل الزراعة والصناعة التقليدية.

الحد الأدنى للأجور في أوكرانيا

لا يزال الحد الأدنى للأجور ثابتًا عند 8,000 هريفنيا (حوالي 195 دولارًا أمريكيًا) منذ عام 2021، دون أي تعديل رسمي على الرغم من تزايد الضغوط المعيشية. ويواجه هذا المستوى من الأجور انتقادات حادة من النقابات العمالية التي ترى أن الحد الأدنى لم يعد كافيًا لتغطية الضروريات الأساسية مثل الغذاء والسكن والمواصلات.

في هذا السياق، يجري حاليًا داخل البرلمان الأوكراني مناقشات لتقديم مشروع قانون يرفع الحد الأدنى تدريجيًا ليصل إلى 10,000 هريفنيا خلال عام 2026، مدعومًا بسياسات تحفيزية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.

الرواتب حسب القطاعات

تُظهر الإحصائيات أن الفروقات بين القطاعات كبيرة. قطاع تكنولوجيا المعلومات لا يزال الأعلى أجرًا بمتوسط شهري يبلغ 65,579 هريفنيا، يليه قطاع البنوك والتأمين بـ 50,289 هريفنيا، مما يعكس زيادة الطلب على المهارات التقنية والمالية.

وفي المقابل، لا تزال الرواتب في قطاعات التعليم والصحة والفنون منخفضة. فعلى سبيل المثال، لا يتجاوز متوسط راتب المعلم في القطاع الحكومي 14,300 هريفنيا، وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى جاذبية هذه المهن في المستقبل.

كما أن قطاع النقل العام شهد تحسنًا طفيفًا في الرواتب خلال 2024-2025 بعد دعم الدولة لهذا القطاع الحيوي الذي تأثر بشدة نتيجة الهجمات على البنية التحتية.

الرواتب حسب المناطق الجغرافية

تختلف الرواتب أيضًا باختلاف المناطق. مدينة كييف تأتي في الصدارة بمتوسط رواتب 29,500 هريفنيا، تليها مدن لفيف ودنيبرو. يعود هذا إلى تركّز الأنشطة الاقتصادية والخدمات الدولية في العاصمة والمدن الكبرى.

أما المناطق الشرقية مثل خاركيف وزابوريجيا والتي تأثرت بالحرب، فتسجل رواتب أقل نسبيًا، كما أن جزءًا كبيرًا من السكان في هذه المناطق يعتمدون على المساعدات الحكومية أو العمل الإنساني، ما ينعكس على ضعف القوة الشرائية هناك.

وتشير تقارير محلية إلى أن بعض المناطق مثل ترنوبل وإيفانو-فرانكيفسك تشهد ارتفاعًا تدريجيًا في الرواتب بسبب عودة السكان النازحين وافتتاح مشاريع صناعية بديلة.

التوقعات المستقبلية للرواتب في أوكرانيا

تشير التوقعات الرسمية إلى أن متوسط الرواتب سيستمر في الارتفاع خلال السنوات القادمة ليصل إلى 25,732 هريفنيا في نهاية 2025، ويُتوقع أن يحقق زيادة سنوية تُراوح بين 8% و9% حتى عام 2026، بدعم من السياسات النقدية الدولية وتحسن تدريجي في بيئة الاستثمار.

لكن هناك تخوفات من تأثير معدلات التضخم المرتفعة على هذه الزيادات، إذ تشير التقديرات إلى أن أسعار المواد الغذائية والخدمات ارتفعت بنسبة 30% في بعض المناطق، مما قد يؤدي إلى امتصاص معظم مكاسب الرواتب الجديدة.

تأثير الحرب على سوق العمل والرواتب

للحرب الروسية الأوكرانية تأثير مباشر على سوق العمل. فعلى الرغم من فقدان مئات الآلاف وظائفهم في قطاعات الإنتاج والصادرات، إلا أن الدولة عملت على توفير بدائل عبر توسيع نطاق التوظيف العسكري والمدني.

وقدّمت الحكومة حوافز استثنائية للمجندين، منها رواتب شهرية تصل إلى 100,000 هريفنيا ومكافآت كبيرة، ما جعل القطاع الدفاعي مصدر دخل لكثير من الأسر، رغم خطورة هذا الخيار.

كما أطلقت برامج لتوظيف النازحين داخليًا في مشاريع إعادة الإعمار والأنشطة الزراعية والصناعية في المناطق الآمنة، وهو ما أعاد التوازن جزئيًا لسوق العمل.

تأثير القطاع غير الرسمي على الرواتب

يُقدّر أن أكثر من 20% من القوة العاملة في أوكرانيا يعملون في القطاع غير الرسمي، ما يخلق فجوة حقيقية في بيانات الرواتب الرسمية. في كثير من الأحيان، يتلقى العاملون أجورًا دون عقود رسمية، ما يحرمهم من الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي.

هذا الوضع يؤثر على استقرار الدخل على المدى الطويل، ويعكس الحاجة إلى إصلاحات تشريعية تتيح دمج هذه الفئات ضمن الاقتصاد الرسمي عبر الحوافز والضمانات.

الخلاصة

الرواتب في أوكرانيا كشف عن مزيج معقد من التقدم الجزئي والتحديات البنيوية. ورغم الارتفاعات الملحوظة في بعض القطاعات والمناطق، لا تزال الفروقات صارخة، والضغوط التضخمية تمثل تهديدًا حقيقيًا لقدرة المواطنين على تحسين أوضاعهم المالية.

إن الطريق نحو سوق عمل عادل يتطلب من الدولة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز الرقابة على القطاعات غير الرسمية، وتحفيز النمو في المناطق المتضررة. عندها فقط يمكن الحديث عن بيئة دخل مستقرة تضمن الكرامة والفرص لجميع الأوكرانيين.