تُعد كوريا الشمالية واحدة من أكثر دول العالم انعزالًا من الناحية الاقتصادية، وتحيط بها هالة من الغموض بسبب سياساتها المغلقة والمركزية الشديدة. تُدار الدولة باقتصاد مخطط يهيمن عليه الحزب الحاكم، ويُفرض فيه على الشعب الالتزام بأدوار محددة دون حرية كبيرة في اختيار العمل أو التفاوض على الأجر. ورغم محاولات الحكومة مؤخرًا لتعديل بعض جوانب النظام الاقتصادي، لا تزال مسألة الرواتب تمثل معضلة تؤثر على حياة الملايين داخل البلاد.
أقسام المقال
- الحد الأدنى والأجور الرسمية في كوريا الشمالية
- إصلاحات الأجور في عام 2023 وتأثيرها
- الاقتصاد الموازي ودوره في دخل الأفراد
- الفروق بين المناطق الحضرية والريفية
- الرواتب في القطاعات العسكرية والحزبية
- دور العقوبات الدولية في خنق الاقتصاد والرواتب
- الدخل من العمل في الخارج وتحويلات العُمّال
- التحديات المستقبلية لسياسات الأجور
- خاتمة
الحد الأدنى والأجور الرسمية في كوريا الشمالية
لا يُوجد في كوريا الشمالية مفهوم واضح للحد الأدنى للأجور كما هو معمول به في الأنظمة الرأسمالية. الأجور الرسمية التي يتقاضاها الموظفون الحكوميون والعمال في المصانع والمزارع الجماعية تظل في مستويات متدنية جدًا. وفق تقديرات المنظمات المهتمة بالشأن الكوري الشمالي، تتراوح الرواتب الشهرية الرسمية بين 3,000 إلى 10,000 وون كوري شمالي، أي ما يعادل ما بين دولار إلى ثلاثة دولارات فقط في السوق السوداء.
إصلاحات الأجور في عام 2023 وتأثيرها
في عام 2023، أعلنت السلطات الكورية الشمالية عن سلسلة من الإجراءات لرفع مستوى الرواتب، خاصة في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة. ووفق تقارير مسربة من الداخل، وصلت بعض الرواتب إلى 30,000 أو 50,000 وون شهريًا بعد التعديلات. لكن رغم هذه الزيادات الظاهرية، بقيت الفجوة كبيرة بين الأجر وتكاليف الحياة، خصوصًا في ظل غلاء أسعار السلع الأساسية، مما جعل المواطنين يشعرون بأن زيادة الأجور لا تحمل تأثيرًا حقيقيًا على معيشتهم.
الاقتصاد الموازي ودوره في دخل الأفراد
نظرًا لانخفاض الأجور الرسمية، أصبح الاقتصاد الموازي، أو ما يُعرف بـ “جانغمادان” (الأسواق الخاصة)، هو المصدر الرئيسي للدخل الحقيقي للكثير من الكوريين الشماليين. في هذه الأسواق، يُباع كل شيء من الخضروات إلى الإلكترونيات المهربة، ويعمل فيها آلاف الأشخاص بشكل غير رسمي. تشير التقديرات إلى أن بعض التجار الصغار يجنون أرباحًا تتجاوز بكثير ما يحصل عليه الموظف الرسمي في عام كامل.
الفروق بين المناطق الحضرية والريفية
التمييز الاقتصادي واضح بشدة بين العاصمة بيونغ يانغ والمناطق الريفية أو الحدودية. بينما يتمتع سكان العاصمة ببعض المزايا مثل توفر الكهرباء والسلع المدعومة، يعاني سكان الريف من فقر مدقع وانعدام شبه تام للخدمات. ويُمنع على معظم المواطنين الانتقال إلى العاصمة دون إذن خاص، مما يرسخ الفروقات الطبقية بين المدن.
الرواتب في القطاعات العسكرية والحزبية
يحظى العاملون في الجيش وأعضاء الحزب الحاكم بامتيازات نسبية مقارنة بباقي المواطنين. رغم أن الرواتب النقدية قد لا تكون مرتفعة، إلا أنهم يحصلون على مخصصات غذائية أفضل وسلع مدعومة وسكن مجاني. كما يتمتع بعضهم بإمكانية الوصول إلى المتاجر الخاصة المخصصة للنخبة، والتي تُباع فيها سلع مستوردة لا يراها المواطن العادي.
دور العقوبات الدولية في خنق الاقتصاد والرواتب
العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية من قبل مجلس الأمن والولايات المتحدة ودول أخرى بسبب برامجها النووية، كان لها أثر مباشر في الحد من الإيرادات الوطنية. هذا الانكماش الاقتصادي انعكس سلبًا على قدرة الدولة على تمويل المؤسسات ورفع الأجور أو تطوير الخدمات، وأدى إلى تراجع مستويات المعيشة حتى داخل الطبقة المتوسطة.
الدخل من العمل في الخارج وتحويلات العُمّال
تُرسل الحكومة آلاف الكوريين الشماليين للعمل في الخارج، في دول مثل الصين وروسيا، وخاصة في مجالات البناء والمطاعم. هؤلاء العمال يحققون دخلًا أعلى من نظرائهم داخل البلاد، لكن نسبة كبيرة من رواتبهم تُصادر من قبل الدولة. رغم ذلك، تعتبر تحويلاتهم أحد المصادر المهمة التي يعتمد عليها الاقتصاد الكوري الشمالي في ظل الحصار الدولي.
التحديات المستقبلية لسياسات الأجور
مستقبل الرواتب في كوريا الشمالية يظل مرهونًا بقدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية، وتخفيف القيود على حرية السوق، والانفتاح على الاستثمار الخارجي. إلا أن القيادة الحالية تُفضل استمرار النهج الاشتراكي المركزي، مما يجعل أي تحول في ملف الرواتب عملية بطيئة ومعقدة، محفوفة بالتحديات السياسية والأمنية.
خاتمة
تُجسد قضية الرواتب في كوريا الشمالية جانبًا أساسيًا من معاناة الشعب تحت نظام اقتصادي صارم ومغلق. وبينما تسعى الحكومة لتجميل الواقع بإجراءات سطحية، يبقى الحل الجذري بعيد المنال. ولن يتحسن الوضع المعيشي فعليًا إلا بإعادة هيكلة اقتصادية عميقة تضع رفاهية المواطن في صلب الأولويات.