العرب في إيران

تُمثّل الأقلية العربية في إيران واحدة من أكثر الأقليات إثارة للجدل على المستوى الحقوقي والسياسي. يعيش العرب في إيران منذ قرون طويلة، ويُعدّ وجودهم في إقليم خوزستان والجنوب الإيراني جزءًا أصيلًا من النسيج الجغرافي والثقافي للمنطقة. ومع أن الدستور الإيراني يقرّ نظريًا حقوق الأقليات، إلا أن الواقع يروي قصة مختلفة. يتعرض العرب الإيرانيون لسلسلة من السياسات التمييزية التي طالت الهوية واللغة، وحتى الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا المقال، نسلط الضوء بتفصيل على وضع العرب في إيران من حيث التوزيع السكاني، والحقوق، والمعاناة، والمقاومة.

خوزستان: قلب العرب في إيران

يُعتبر إقليم خوزستان، المعروف تاريخيًا باسم “عربستان”، مركز التواجد العربي في إيران. يتمركز فيه ما يقارب 80% من العرب الإيرانيين، ويضم عددًا من المدن المهمة مثل الأحواز (عاصمة الإقليم)، عبادان، المحمرة، والفلاحية. يتمتع الإقليم بثروات طبيعية ضخمة، أبرزها النفط والغاز، ما يجعله أحد أهم الأقاليم الإيرانية اقتصاديًا. ورغم ذلك، يعاني السكان العرب من تهميش كبير في التنمية والتوظيف والخدمات. البنية التحتية ضعيفة، ومعدلات البطالة مرتفعة، والعديد من القرى تفتقر إلى مياه الشرب والكهرباء المنتظمة، في مفارقة لافتة بالنظر إلى ثروات الإقليم.

التمييز الممنهج ضد العرب في إيران

تفرض الحكومة الإيرانية على العرب سياسات تهدف إلى طمس هويتهم الثقافية واللغوية. يمنع تدريس اللغة العربية في المدارس العامة كلغة أم، وتقتصر المناهج على الفارسية، مما يهدد الأجيال الجديدة بفقدان لغتهم. كذلك، تُمنع الأسماء العربية في تسجيل المواليد، وتُفرض أسماء فارسية إجبارية في بعض الحالات. التهميش يمتد إلى فرص العمل، إذ يُحرم العرب من تولّي المناصب الحكومية الحساسة أو الوظائف في قطاع الطاقة رغم أنهم يعيشون في قلب صناعة النفط. ويشعر العديد من العرب أن هذا الإقصاء ممنهج، وموجه للحفاظ على هيمنة الدولة المركزية.

القمع السياسي والاعتقالات في إيران ضد العرب

تتعامل السلطات الإيرانية بقسوة مع أي حراك عربي يطالب بالحقوق الثقافية أو السياسية. تُنفَّذ حملات اعتقال واسعة عقب كل مظاهرة، وتُوجَّه للمعتقلين تُهَم مثل “محاربة الله” و”العمل ضد أمن الدولة”، وهي تُهم تُستخدم لتبرير أحكام قاسية تصل إلى الإعدام. من أبرز الحالات إعدام الشاعر والناشط هاشم شاباني ومجموعة من رفاقه في عام 2014، بعد محاكمة وصفها ناشطون بأنها افتقدت لأدنى شروط العدالة. ويُذكر أن العديد من المعتقلين العرب يُحتجزون في سجون سرية، ويُمنعون من التواصل مع محامين، ما يزيد من حجم الانتهاكات.

الاحتجاجات والمقاومة الشعبية في إيران

رغم القمع، لم يتوقف العرب في إيران عن النضال السلمي والمطالبة بحقوقهم. شهدت المدن العربية احتجاجات كبيرة في أعوام 2005 و2011 و2018، وصولًا إلى مظاهرات يوليو 2021 التي اندلعت احتجاجًا على أزمة شح المياه. رفعت هذه الاحتجاجات شعارات تطالب بإنهاء التهميش، وبالحق في التعليم باللغة الأم، وبتوزيع عادل للثروات. غالبًا ما يتم قمع هذه المظاهرات بقوة السلاح، وتسجل منظمات حقوقية سقوط ضحايا واعتقال المئات سنويًا من الشباب العرب.

التوزيع السكاني للعرب وجنسيتهم في إيران

تشير أحدث التقديرات إلى أن العرب يشكلون حوالي 2% من سكان إيران، أي ما يقارب 1.8 مليون نسمة من إجمالي 92.3 مليون نسمة. يتوزعون بشكل رئيسي في خوزستان، وأجزاء من بوشهر وهرمزغان، ومناطق صغيرة قرب الحدود العراقية والخليج العربي. العرب في إيران يحملون الجنسية الإيرانية، ومع ذلك، فإن الحصول على بعض الوثائق والحقوق الأساسية يخضع غالبًا لتعقيدات بيروقراطية واعتبارات أمنية. يُمنح أبناء الأمهات الإيرانيات الجنسية وفق قانون صدر عام 2019، لكن يشترط عدم وجود “مشكلة أمنية”، وهو شرط يستخدمه النظام للتضييق.

الهوية الثقافية في ظل الضغوط الإيرانية

يحاول العرب في إيران الحفاظ على هويتهم رغم الضغوط. تُقام فعاليات ثقافية محدودة في السر، ويُتناقل الشعر الشعبي والأمثال القديمة شفهيًا للحفاظ على اللغة. كما تنتشر بعض القنوات الإعلامية العربية الناطقة باسم الأحواز في المنفى، وتسعى إلى تعزيز الوعي القومي. ورغم التضييق، فإن المناسبات الاجتماعية والدينية، مثل عاشوراء والمولد النبوي، تُستخدم أيضًا كوسائل للتعبير عن التماسك الثقافي.

دور المجتمع الدولي تجاه وضع العرب في إيران

لفتت قضية العرب في إيران انتباه عدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية، التي أصدرت تقارير تُدين الانتهاكات الواسعة ضدهم. كما طالبت الأمم المتحدة طهران باحترام حقوق الأقليات، وضمان حقوقهم في اللغة والثقافة والمشاركة السياسية. لكن إيران ترفض تلك الانتقادات، وتتهم الدول الغربية باستخدام ملف الأقليات كورقة ضغط سياسية. وفي ظل هذا الإنكار الرسمي، تبقى الحاجة ملحة إلى جهود حقوقية وإعلامية مضاعفة لكشف حقيقة ما يجري.

خاتمة

لا تزال معاناة العرب في إيران قائمة ومتصاعدة، رغم ما يُظهره أبناؤها من صمود وتمسك بالهوية. التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي الذي يواجهونه لا يمكن تجاهله، خاصة في ظل الثروات التي تنتجها مناطقهم ولا تنعكس عليهم. في ظل غياب الإرادة السياسية الداخلية، يبقى الضغط الخارجي والدولي هو الأمل المتبقي لدفع طهران إلى احترام حقوق هذه الأقلية التاريخية.