يشهد الوجود العربي في روسيا تزايدًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، خاصة مع انفتاح العلاقات بين روسيا وعدد من الدول العربية سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا. وقد أسهمت عوامل مثل التبادلات التعليمية، والهجرة الاقتصادية، والنزاعات في بعض الدول العربية في دفع أعداد من العرب نحو روسيا، حيث وجدوا فيها فرصًا تعليمية ومهنية واستثمارية واعدة. يعيش العرب في روسيا ضمن بيئات حضرية متنوعة، مع تركز ملحوظ في المدن الكبرى، ويُسهمون في المشهد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الروسي. هذا المقال يستعرض أبرز أماكن تواجد العرب في روسيا، وجنسياتهم، وعددهم، ومجالات نشاطهم المختلفة.
أقسام المقال
عدد العرب في روسيا
رغم غياب إحصائيات رسمية دقيقة من السلطات الروسية، فإن التقديرات المستقاة من تقارير دبلوماسية ومراكز دراسات تشير إلى أن عدد العرب في روسيا يتراوح بين 30 و50 ألف شخص. ويتوزع هذا الرقم على فئات متعددة، تشمل الطلاب الجامعيين، ورجال الأعمال، والمقيمين بشكل دائم، بالإضافة إلى لاجئين من دول عربية تعاني من نزاعات. ويزداد العدد مع بداية كل عام دراسي جديد، حيث يُقبل آلاف الطلاب من الدول العربية على الجامعات الروسية التي تقدم تخصصات متنوعة وبتكاليف دراسية أقل من مثيلاتها في الغرب.
الجنسيات العربية الأكثر حضورًا في روسيا
يحمل العرب المقيمون في روسيا جنسيات متنوعة، وتُعتبر الجالية السورية الأكبر من حيث العدد، نتيجة للعلاقات السياسية الوثيقة بين دمشق وموسكو، بالإضافة إلى تدفق اللاجئين بعد عام 2011. يليهم اللبنانيون الذين لديهم حضور تقليدي في روسيا منذ عقود، ويتمركزون في موسكو وسانت بطرسبرغ. العراقيون أيضًا يشكلون نسبة مهمة، وخاصة في المؤسسات التعليمية. المصريون يُعرفون بنشاطهم التجاري، إلى جانب حضور طلابي متزايد في التخصصات الطبية. كما يُلاحظ وجود طلاب من المغرب وتونس والجزائر، لا سيما في الجامعات الإقليمية.
الوجود العربي في موسكو
تُعد موسكو القلب النابض للجالية العربية في روسيا، بحكم كونها العاصمة السياسية والاقتصادية. تضم المدينة عددًا كبيرًا من العرب الذين يزاولون أنشطة متعددة، مثل إدارة المطاعم، وتجارة المواد الغذائية، والتعليم، والاستشارات التجارية. كما يوجد فيها عدد كبير من الطلاب في جامعات مثل جامعة موسكو الحكومية ومعهد العلاقات الدولية. إضافة لذلك، تنشط المنظمات الثقافية والدبلوماسية العربية في موسكو، حيث يتم تنظيم فعاليات ومعارض تعكس التراث العربي وتعزز من التبادل الثقافي مع الروس.
الوجود العربي في سانت بطرسبرغ
سانت بطرسبرغ، العاصمة الثقافية لروسيا، تستقطب العرب المهتمين بالفنون والتعليم. وتشتهر جامعاتها بجودة التعليم، ما يدفع العديد من الطلاب العرب للالتحاق بها، خصوصًا في مجالات مثل الطب والفنون والهندسة. كما تضم المدينة عددًا من الأسر العربية التي استقرت بها منذ سنوات، وافتتحت مشاريع صغيرة ناجحة. وتُعد الفعاليات الثقافية العربية جزءًا من مشهد المدينة السنوي، إذ غالبًا ما تنظم الجاليات العربية أمسيات شعرية وعروضًا فنية مفتوحة للجمهور الروسي.
الوجود العربي في قازان
تقع مدينة قازان في جمهورية تتارستان، وهي واحدة من أكثر المدن الروسية تسامحًا وتنوعًا ثقافيًا ودينيًا. تتمتع المدينة بخصوصية استقبالها للمسلمين، مما يجعلها وجهة مفضلة للطلاب العرب الذين يشعرون بالراحة في ممارسة شعائرهم الدينية. تضم قازان جامعة فيدرالية تُعد من الأفضل في روسيا، ما يجذب طلابًا من العراق، وسوريا، ومصر، ودول شمال أفريقيا. كما تنشط الجالية في إقامة أمسيات رمضانية ومبادرات خيرية موجهة للمجتمعين العربي والتتري.
الوجود العربي في نوفوسيبيرسك
نوفوسيبيرسك، عاصمة سيبيريا العلمية، تُعد من المدن التي تلقى إقبالًا من الطلاب العرب الراغبين في التخصصات الهندسية والطبية. رغم برودة الطقس وقلة عدد السكان العرب مقارنة بموسكو، فإن العرب هناك أنشأوا بيئة تعاونية وداعمة عبر جمعيات طلابية وخدمات دينية محدودة. كما تبرز محاولات بعض الخريجين العرب في البقاء والعمل في المدينة بعد التخرج، خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والصحة.
الوجود العربي في يكاترينبورغ
يكاترينبورغ، الواقعة في منطقة الأورال، تضم عددًا جيدًا من الطلاب ورجال الأعمال العرب. تشتهر المدينة بجامعاتها التقنية وتوافر فرص العمل في الصناعات الثقيلة، مما يجذب العرب من ذوي التخصصات الهندسية والميكانيكية. كما يتميز بعض العرب هناك بدورهم في الربط بين السوق الروسية وسوق الشرق الأوسط، من خلال شركات الاستيراد والتصدير، ما يعزز من الحضور العربي الاقتصادي في المدينة.
الوجود العربي في روستوف-نا-دونو
في جنوب روسيا، تُعد مدينة روستوف-نا-دونو نقطة جذب للعرب المهتمين بالدراسة في الجامعات الإقليمية. يُلاحظ وجود طلاب من اليمن وفلسطين والسودان في تخصصات مثل الطب والتمريض. كما افتتحت بعض العائلات العربية مطاعم تُقدم المأكولات الشامية والمصرية، وتلقى إقبالًا واسعًا من السكان المحليين. تُعد المدينة أيضًا نقطة عبور لبعض العرب إلى دول الجوار مثل جورجيا وأرمينيا.
الوجود العربي في كراسنودار
كراسنودار، المدينة الزراعية والسياحية، تجذب العرب خاصة المستثمرين منهم. افتتح بعض رجال الأعمال العرب مزارع ومصانع صغيرة فيها، ووجدوا فرصًا واعدة في السوق المحلي. كما أن طقس المدينة المعتدل مقارنة بمدن روسيا الشمالية يشجع على الاستقرار العائلي. العرب هناك يشاركون أيضًا في المعارض الزراعية والاقتصادية ويعملون على تسويق المنتجات الروسية في دول الخليج.
الوجود العربي في فلاديفوستوك
تقع فلاديفوستوك في أقصى الشرق الروسي، ورغم بعدها الجغرافي فإنها تضم عددًا من الطلاب العرب، خاصة في جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية. يدرس هناك طلاب من المغرب واليمن والعراق، خصوصًا في تخصصات العلوم البحرية والاقتصاد. كما تُشكل المدينة بوابة نحو التعاون العربي-الآسيوي، إذ يستغل بعض رجال الأعمال العرب موقعها للتبادل التجاري مع الصين وكوريا الجنوبية.
الوجود العربي في سوتشي
مدينة سوتشي السياحية باتت من الأماكن التي تستقطب العرب، ليس فقط كمصيفين، بل أيضًا كمستثمرين في العقارات والضيافة. يملك بعض العرب فنادق صغيرة وشققًا سياحية يؤجرونها خلال الموسم الصيفي. كما يُفضل بعض المتقاعدين العرب الإقامة فيها بسبب طقسها الدافئ نسبيًا. تنظم الجالية هناك تجمعات دورية واحتفالات بالأعياد الدينية والوطنية.