اللجوء في أفغانستان 

في قلب آسيا، وبين جبالها الشاهقة وصراعاتها المتجددة، تبرز أفغانستان كواحدة من أكثر الدول المعقدة من حيث قضايا اللجوء والنزوح. إذ تشهد البلاد منذ عقود طويلة موجات متتالية من الهروب الجماعي، سواء نحو الداخل أو الخارج، نتيجة للصراعات السياسية، والانهيارات الاقتصادية، والكوارث البيئية، والتضييق الاجتماعي، لا سيما في ظل عودة طالبان للحكم. وفي عام 2025، وصل الوضع الإنساني إلى مستويات حرجة، مما يجعل من الضروري تسليط الضوء على تفاصيل أزمة اللجوء في هذا البلد المضطرب.

الوضع الإنساني في أفغانستان

تعيش أفغانستان حالة إنسانية مأساوية منذ سنوات، لكنها بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، تحديدًا منذ انسحاب القوات الأجنبية وسيطرة طالبان على مقاليد الحكم. أكثر من 23 مليون شخص بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، منهم ملايين من النازحين داخليًا الذين فروا من مناطقهم بسبب القتال أو الكوارث الطبيعية. إضافة إلى ذلك، يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، مع تدهور مستمر في القطاع الصحي، وارتفاع أسعار الغذاء، وانعدام شبه تام للأمن الغذائي.

القيود المفروضة على النساء والفتيات

فرضت السلطات الجديدة في أفغانستان سلسلة من القيود غير المسبوقة على النساء والفتيات، لتُصبح البلاد واحدة من أكثر البيئات قمعًا لحقوق المرأة عالميًا. شملت هذه القيود حظر التعليم للإناث في المراحل الثانوية والجامعية، ومنع النساء من العمل في معظم القطاعات، وفرض قيود على تحركهن دون محرم. هذه السياسات دفعت مئات الآلاف من النساء إلى محاولة الفرار خارج البلاد أو إلى المناطق الأقل تضييقًا داخليًا، خوفًا على مستقبلهن وكرامتهن.

سياسات الدول المضيفة تجاه اللاجئين الأفغان

مع تصاعد أعداد اللاجئين الأفغان، اضطرت دول الجوار إلى اتخاذ مواقف متباينة. باكستان، التي تستضيف قرابة 1.7 مليون لاجئ مسجل، أعلنت في عام 2025 عن حملة ترحيل جماعية تستهدف أكثر من 40 ألف لاجئ. في المقابل، تستضيف إيران أكثر من 2.4 مليون لاجئ، لكنها بدأت بفرض قيود مشددة على منح الإقامات والتصاريح، مما وضع هؤلاء اللاجئين في موقف قانوني هش. اللاجئون يواجهون ضغوطًا يومية، تشمل محدودية فرص العمل، وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية، والتعرض لحملات أمنية متكررة.

تأثير السياسات الدولية على اللاجئين الأفغان

السياسات الدولية تجاه اللاجئين الأفغان لم تكن أكثر رحمة، حيث أعلنت الحكومة الأمريكية عن إنهاء برنامج الحماية المؤقتة (TPS) للأفغان في مايو 2025، مما يهدد بإعادة أكثر من 14,000 لاجئ إلى بلادهم رغم تدهور الأوضاع. كما تقرر إغلاق مكتب تنسيق إعادة توطين الأفغان (CARE)، ما يعني تعليق آمال نحو 200 ألف أفغاني كانوا في مراحل مختلفة من إجراءات إعادة التوطين. هذه الخطوات تعكس تراجع الالتزام الدولي بقضية اللاجئين الأفغان رغم كونها واحدة من أطول الأزمات الإنسانية المستمرة.

التحديات الاقتصادية والبيئية

تشهد أفغانستان موجة غير مسبوقة من التحديات البيئية التي زادت من أعباء السكان. فالجفاف المتواصل للعام الرابع على التوالي أدى إلى انهيار الإنتاج الزراعي، بينما أسهمت الزلازل والفيضانات المتكررة في تدمير البنية التحتية الهشة أصلًا. هذه الظروف دفعت عشرات الآلاف إلى النزوح القسري داخل البلاد، ليبلغ عدد النازحين داخليًا نحو 3.1 مليون شخص. يُضاف إلى ذلك انهيار الاقتصاد الوطني، وتوقف الاستثمارات الدولية، مما جعل خيارات البقاء داخل البلاد شبه مستحيلة للكثيرين.

جهود المنظمات الإنسانية

تبذل منظمات إنسانية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأغذية العالمية، جهودًا مضنية لتقديم الحد الأدنى من الدعم للأفغان، سواء داخل البلاد أو في أماكن اللجوء. رغم ذلك، تعاني هذه المنظمات من نقص التمويل بشكل خطير، حيث لم تحصل سوى على 35% من إجمالي التمويل المطلوب لعام 2025. كما تعرقل السلطات المحلية في بعض الأحيان عمليات التوزيع، ما يزيد من صعوبة الوصول إلى الفئات الأكثر حاجة.

عدد اللاجئين من أفغانستان وإليها

بلغ عدد اللاجئين الأفغان في الخارج حتى عام 2025 حوالي 5.9 مليون شخص، موزعين بشكل رئيسي بين باكستان، إيران، وتركيا، إضافة إلى أعداد أقل في أوروبا وأمريكا الشمالية. أما داخل البلاد، فهناك نحو 3.1 مليون نازح داخلي فروا من منازلهم بحثًا عن الأمان. في المقابل، لا تستضيف أفغانستان لاجئين من أي دولة أخرى، وذلك بسبب أوضاعها غير المستقرة. لا يُسجَّل وجود أي مجموعات لاجئة بالمعنى القانوني داخل الأراضي الأفغانية، ولا تُعتبر البلاد مقصدًا للجوء الدولي.

الخلاصة

تُجسد أزمة اللجوء في أفغانستان مأساة معقدة الأبعاد، تتشابك فيها السياسات الدولية بالواقع الميداني، وتتعمق بفعل الحروب والقيود الاجتماعية والكوارث البيئية. إن التعامل مع هذا الملف يتطلب تحركًا دوليًا جادًا ومسؤولًا، يأخذ في الحسبان كرامة الإنسان وحقه في الحياة الكريمة، سواء داخل وطنه أو خارجه. وحتى ذلك الحين، سيبقى ملايين الأفغان في مهب المعاناة، بين النزوح القسري وفقدان الأمل في الغد.