اللجوء في أوكرانيا

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أصبحت أوكرانيا بؤرة لأزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث اضطرت ملايين العائلات إلى ترك منازلها، سواء بالنزوح الداخلي أو باللجوء إلى الخارج. ومع دخول النزاع عامه الرابع، لا تزال التحديات تتفاقم، سواء على مستوى الداخل الأوكراني أو على حدود أوروبا الشرقية، مما يُلقي بظلاله الثقيلة على الأنظمة الاجتماعية، الاقتصادية، والإنسانية في المنطقة. هذا المقال يعرض نظرة شاملة ومُحدثة عن واقع اللجوء في أوكرانيا، وأعداد اللاجئين، وجنسياتهم، بالإضافة إلى تحليل معمّق للسياسات والمساعدات الإنسانية، والتحديات طويلة الأمد التي يواجهها اللاجئون والدول المستضيفة على حد سواء.

الوضع الحالي للجوء في أوكرانيا

تشير آخر التقديرات إلى أن أكثر من 10.6 مليون شخص تضرروا بشكل مباشر من الحرب في أوكرانيا. منهم نحو 6.9 مليون لاجئ مسجّل في الدول الأوروبية، بالإضافة إلى ما يزيد عن 3.7 مليون نازح داخلي داخل الأراضي الأوكرانية. هذا العدد الهائل يعكس مدى الكارثة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، ويشكّل ضغطًا كبيرًا على الموارد والخدمات، خصوصًا في المناطق الغربية التي أصبحت مراكز تجمع رئيسية للنازحين.

إجراءات طلب اللجوء في أوكرانيا

رغم أنها دولة تعاني من نزوح داخلي جماعي، إلا أن أوكرانيا لا تزال تستقبل طلبات اللجوء من جنسيات أجنبية. النظام القانوني الأوكراني يعترف باللاجئين وطالبي الحماية، وتبدأ العملية بتقديم طلب رسمي إلى دائرة الهجرة، يلي ذلك مقابلة شخصية وتحقيق للتأكد من توافر أسباب حقيقية للجوء. ومنح اللجوء لا يتم بسهولة، ويتطلب أدلة واضحة على الاضطهاد أو الخطر في بلد المنشأ. يُمنح مقدم الطلب شهادة مؤقتة “دوفيدكا”، تتيح له الحصول على بعض الخدمات مؤقتًا حتى صدور القرار النهائي، وقد تمتد المعاملة لعدة أشهر.

دور الاتحاد الأوروبي في دعم اللاجئين الأوكرانيين

أطلق الاتحاد الأوروبي في مارس 2022 توجيه الحماية المؤقتة لأول مرة في تاريخه، ما أتاح للأوكرانيين دخول الدول الأعضاء دون الحاجة إلى تقديم طلب لجوء فردي. حصل اللاجئون على حقوق إقامة وعمل، وخدمات صحية وتعليمية في أغلب دول الاتحاد، وخاصة بولندا، ألمانيا، وجمهورية التشيك. ومع اقتراب انتهاء مدة الحماية، يعمل الاتحاد الآن على تطوير استراتيجية خروج تشمل إما العودة الطوعية أو التحول إلى إقامات دائمة.

التحديات التي تواجه اللاجئين الأوكرانيين في أوروبا

رغم أن الدعم الأوروبي كان سخيًا في البداية، إلا أن هناك تحديات متزايدة تواجه اللاجئين، خاصة مع تراجع الحماسة الشعبية في بعض الدول وتزايد الضغوط الاقتصادية. في ألمانيا، تُطرح مشاريع قوانين لتعديل آلية صرف الإعانات. وفي المملكة المتحدة، يعاني الأطفال الأوكرانيون من استثناءات بيروقراطية تحول دون حصولهم على الوجبات المدرسية المجانية. كما أن قلة المساكن الملائمة وازدحام المدارس باتا مشكلتين رئيسيتين في عدة عواصم أوروبية.

اللاجئون داخل أوكرانيا وجنسياتهم

حتى أوائل عام 2025، تستضيف أوكرانيا ما يقارب 3,300 لاجئ من جنسيات مختلفة رغم ظروف الحرب. تشمل هذه الجنسيات مواطنين من أفغانستان، سوريا، العراق، وبعض الدول الإفريقية. يتمتع هؤلاء بوضع قانوني خاص يسمح لهم بالبقاء والحصول على مساعدات إنسانية أساسية، لكنهم يعانون من غياب الاستقرار وصعوبة الوصول إلى الخدمات بسبب تدهور الوضع الأمني والاقتصادي.

عدد اللاجئين الأوكرانيين خارج البلاد

تُقدّر أعداد اللاجئين الأوكرانيين المسجلين في الخارج بنحو 6.9 مليون شخص، يتوزعون على النحو الآتي:

  • بولندا: أكثر من 1.5 مليون لاجئ، ما يجعلها الدولة الأولى من حيث الاستضافة.
  • ألمانيا: قرابة مليون لاجئ.
  • جمهورية التشيك: أكثر من 540 ألف لاجئ.
  • روسيا: يقدّر عدد الأوكرانيين الموجودين بها بنحو 2.9 مليون، رغم الجدل حول نقل البعض منهم قسرًا.
  • دول أخرى: فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، رومانيا، والمجر، كل منها يستضيف مئات الآلاف.

حو 90% من اللاجئين هم من النساء والأطفال، نظرًا لمنع الرجال البالغين من مغادرة البلاد في ظل قانون التعبئة العامة.

الوضع الإنساني والجهود الدولية

أطلقت الأمم المتحدة نداءً لتمويل خطة استجابة إنسانية لعام 2025 بقيمة تتجاوز 3.3 مليار دولار، لتغطية احتياجات 8.2 مليون شخص داخل وخارج أوكرانيا. تشمل هذه الخطة برامج للإيواء، والغذاء، والخدمات الصحية، والحماية القانونية. تسهم أيضًا منظمات غير حكومية محلية ودولية في إيصال المساعدات، رغم صعوبة الوصول إلى بعض المناطق بسبب استمرار القتال.

العودة الطوعية وإعادة التوطين

تفيد الدراسات أن الغالبية العظمى من اللاجئين الأوكرانيين يطمحون إلى العودة، إلا أن الواقع لا يتيح ذلك بسهولة. أكثر من 2 مليون منزل تعرّض للدمار أو الضرر، مما يجعل العودة محفوفة بالمخاطر. المفوضية السامية تعمل على إعداد برامج للعودة الطوعية وتقديم دعم للمساكن المؤقتة، مع التركيز على إعادة إعمار البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في المناطق المحررة.

خاتمة

أزمة اللجوء الأوكرانية ما زالت واحدة من أخطر الأزمات في التاريخ الحديث، تتجاوز في تأثيرها حدود الجغرافيا والسياسة. إن احتواء هذه الأزمة يتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا، وإرادة سياسية شاملة، وخططًا طويلة الأمد لإعادة الإعمار والاندماج. وبينما تتعلق آمال الملايين بالعودة إلى وطنهم، تبقى الحاجة إلى الدعم الإنساني قائمة، والمجتمع الدولي مدعو لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية.