تحتل إثيوبيا موقعًا جغرافيًا فريدًا يجعلها نقطة جذب رئيسية للفارين من الصراعات والنزاعات في شرق القارة الإفريقية. وبالرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها داخليًا، فقد ظلت الدولة لعقود واحدة من أكبر الدول المضيفة للاجئين في إفريقيا. ومع تصاعد الأزمات في دول الجوار مثل جنوب السودان وإريتريا والسودان والصومال، باتت إثيوبيا مركزًا إنسانيًا تتلاقى فيه الجنسيات المختلفة بحثًا عن الأمان والاستقرار. المشهد معقَّد ومتعدد الأبعاد، فبين الواقع القاسي للاجئين وبين السياسات الحكومية ومساعي المنظمات الإنسانية، تتشابك خيوط أزمة اللجوء في واحدة من أكثر المناطق هشاشة في العالم.
أقسام المقال
- إحصاءات حديثة عن أعداد اللاجئين والجنسيات
- العوامل التي تدفع اللاجئين إلى إثيوبيا
- الظروف المعيشية في المخيمات
- تأثيرات الصراعات الداخلية على أوضاع اللاجئين
- الجهود الحكومية نحو الدمج والتوطين
- دور المنظمات الدولية والشراكات التنموية
- اللاجئون الحضريون وتحديات الاستقرار في المدن
- الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للجوء في إثيوبيا
- خاتمة: مسؤولية مشتركة وتضامن إنساني مطلوب
إحصاءات حديثة عن أعداد اللاجئين والجنسيات
تشير تقارير مفوضية شؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في إثيوبيا حتى مطلع عام 2025 تجاوز المليون و200 ألف لاجئ، يتوزعون في أكثر من 20 مخيمًا ومراكز حضرية. تأتي الغالبية من جنوب السودان بنسبة تقارب 40%، تليها الصومال (34%)، ثم إريتريا (17%) والسودان (9%). وبالإضافة إلى هؤلاء، هناك لاجئون من اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأجزاء أخرى من المنطقة.
العوامل التي تدفع اللاجئين إلى إثيوبيا
لا تقتصر أسباب تدفق اللاجئين إلى إثيوبيا على موقعها الجغرافي فقط، بل تشمل أيضًا سهولة الدخول نسبيًا، وسياسات الحكومة الإثيوبية المرحبة، خصوصًا مع توقيع إعلان نيويورك والالتزام بإطار الاستجابة الشامل للاجئين. كما تلعب الروابط العرقية والثقافية دورًا في اختيار اللاجئين لإثيوبيا كمكان للجوء، حيث توجد قبائل متداخلة عبر الحدود.
الظروف المعيشية في المخيمات
يعاني اللاجئون في المخيمات الإثيوبية من ظروف معيشية صعبة، إذ يعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة. يبلغ متوسط إمداد المياه 14 لترًا فقط للفرد يوميًا، في حين لا تغطي خدمات الصرف الصحي سوى ثلث اللاجئين. تتفاوت جودة التعليم والصحة بشكل كبير، كما يواجه الأطفال خطر التسرب بسبب نقص المرافق والمعلمين.
تأثيرات الصراعات الداخلية على أوضاع اللاجئين
أدت النزاعات في مناطق مثل إقليم تيغراي وأمهرة إلى تأثر مخيمات اللاجئين سلبًا، حيث أجبر القتال بعض اللاجئين على النزوح مرة أخرى. في عدة حالات، نُقلت عائلات بأكملها من مخيمات متضررة إلى مواقع مؤقتة تفتقر إلى الخدمات الأساسية. كما تعرّضت بعض المنشآت الإنسانية للنهب، مما أثر على عمليات الإغاثة.
الجهود الحكومية نحو الدمج والتوطين
تبنّت إثيوبيا في السنوات الأخيرة سياسة دمج اللاجئين، تماشيًا مع توصيات المجتمع الدولي. تشمل هذه السياسة السماح للاجئين بالالتحاق بسوق العمل، والتعليم، والخدمات الصحية، إلا أن التطبيق يواجه تحديات تمويلية وإدارية. أُطلقت مبادرات للتعليم الشامل وبرامج التدريب المهني في بعض المناطق، لكنها لا تزال محدودة مقارنة بالحاجة.
دور المنظمات الدولية والشراكات التنموية
تعمل منظمات مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة اليونيسف بشكل وثيق مع الحكومة الإثيوبية لتقديم الدعم. ويشمل ذلك توزيع الغذاء، تحسين البنية التحتية للمخيمات، وتنفيذ برامج حماية الأطفال والنساء. لكن خفض التمويل العالمي يهدد استدامة هذه البرامج، خصوصًا مع تصاعد أزمات أخرى في العالم تستقطب الموارد الدولية.
اللاجئون الحضريون وتحديات الاستقرار في المدن
في أديس أبابا ومدن أخرى، يعيش آلاف اللاجئين خارج المخيمات، ويواجهون تحديات مختلفة مثل صعوبة الحصول على سكن، وارتفاع تكاليف المعيشة، ومحدودية فرص العمل. رغم إتاحة التسجيل الرسمي لهؤلاء اللاجئين، إلا أن الكثير منهم يعيشون في أوضاع غير مستقرة قانونيًا، ما يجعلهم عرضة للاستغلال أو الاعتقال.
الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للجوء في إثيوبيا
اللجوء لا يعني فقط توفير المأوى، بل يشمل الجوانب النفسية والاجتماعية. يعاني كثير من اللاجئين، خصوصًا النساء والأطفال، من آثار الصدمة والعنف، ويحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي مكثف. كما يواجه الأطفال المولودون في بيئة اللجوء تحديات تتعلق بالهوية، والتعليم، والانتماء، ما يستدعي تدخلًا شاملاً لحمايتهم.
خاتمة: مسؤولية مشتركة وتضامن إنساني مطلوب
يبقى ملف اللجوء في إثيوبيا من أعقد الملفات الإنسانية في القارة، يتطلب مقاربة شاملة تدمج بين الدعم الإغاثي العاجل والحلول المستدامة طويلة الأمد. الحكومة الإثيوبية تبذل جهدًا ملموسًا، لكن مسؤولية التعامل مع هذه الأزمة تتعدى حدود الدولة لتصبح التزامًا إقليميًا ودوليًا. من دون تمويل كافٍ، وتخطيط محكم، وشراكات قوية، سيظل اللاجئون في إثيوبيا يعيشون على حافة الأمل في بيئة تتزايد فيها التحديات وتتراجع فيها الموارد.