منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، باتت إريتريا تُعرف بأنها واحدة من أكثر الدول طردًا لسكانها، حيث يغادر الآلاف من الإريتريين بلادهم سنويًا فرارًا من نظام سياسي خانق وظروف معيشية قاسية. يتسرب اللاجئون بصمت عبر الحدود إلى بلدان مجاورة، أو يغامرون بركوب البحر للوصول إلى أوروبا، محفوفين بالمخاطر والتهديدات. تتعدد أسباب اللجوء وتتعمق جذوره في واقع سياسي واجتماعي معقد، بينما تستمر معاناة اللاجئين في المخيمات ومراكز الاحتجاز والطرقات الطويلة نحو الحلم الأوروبي.
أقسام المقال
- حكم شمولي يُغذي النزوح الجماعي
- التجنيد الإجباري: عبودية مقنّعة
- الفرار عبر الحدود: مخاطرة لا تُحتمل
- المصير المجهول في السودان وإثيوبيا
- الحلم الأوروبي: من البحر إلى مراكز الاحتجاز
- اللاجئون في مصر وليبيا: استغلال وعنف
- الصمت الدولي وتقصير الأمم المتحدة
- دور الشتات الإريتري في تسليط الضوء
- الحاجة إلى استراتيجية حماية شاملة
حكم شمولي يُغذي النزوح الجماعي
تحكم إريتريا منذ الاستقلال عام 1993 بيد من حديد تحت قيادة الرئيس أسياس أفورقي، الذي لم يُجرِ أي انتخابات رئاسية أو برلمانية منذ ذلك الحين. تحظر الحكومة الأحزاب السياسية المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة، كما تُمارس الرقابة على الإنترنت والاتصالات. هذه البيئة السياسية المغلقة دفعت بالكثير من الشباب، والمثقفين، وحتى العسكريين، إلى اتخاذ قرار المغادرة بأي وسيلة ممكنة.
التجنيد الإجباري: عبودية مقنّعة
يُعد التجنيد الإجباري في إريتريا من أبرز دوافع الهروب، حيث يُجبر الشبان والفتيات على الخدمة العسكرية دون حد زمني، تحت ظروف عمل شاقة وأجور زهيدة. يصف العديد من الهاربين هذه الخدمة بأنها نوع من العبودية الحديثة، تشمل أعمال البناء، والزراعة، وأحيانًا الأعمال المنزلية لضباط الجيش. وغالبًا ما يتم تجنيد الأطفال قسرًا، مما يُفقدهم فرص التعليم والحياة الطبيعية.
الفرار عبر الحدود: مخاطرة لا تُحتمل
يُعتبر عبور الحدود من إريتريا جريمة يُعاقب عليها بالسجن أو حتى الإعدام، مما يدفع الفارين إلى التسلل ليلًا عبر الجبال أو الصحراء باتجاه السودان أو إثيوبيا. وفي كثير من الأحيان، يقعون في أيدي المهربين أو العصابات المسلحة، أو يُعاد القبض عليهم ويُحتجزون في سجون سرية. كما أن بعض اللاجئين يُجبرون على دفع فدية لإطلاق سراحهم من مراكز الاحتجاز في بلدان العبور.
المصير المجهول في السودان وإثيوبيا
مع تفاقم الصراعات في السودان، خصوصًا بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أصبحت أوضاع اللاجئين الإريتريين أكثر بؤسًا. أُحرقت بعض المخيمات، وتم ترحيل عدد من اللاجئين قسرًا إلى إريتريا، مما يُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي. أما في إثيوبيا، فقد تعرضت مخيمات اللاجئين في تيغراي لهجمات خلال الحرب، ما أدى إلى نزوح داخلي جديد داخل الأراضي الإثيوبية نفسها.
الحلم الأوروبي: من البحر إلى مراكز الاحتجاز
يحاول الكثير من الإريتريين عبور البحر المتوسط وصولًا إلى أوروبا، غالبًا من خلال ليبيا، حيث يتعرضون لمخاطر الغرق، أو الوقوع في قبضة ميليشيات تحتجزهم وتبتزّ عائلاتهم. حتى من ينجح في الوصول إلى أوروبا، يُواجه تحديات جديدة تتعلق بالإقامة والعمل والاندماج. في بعض الدول مثل ألمانيا وسويسرا، تزايدت القيود على منح اللجوء، وازدادت حالات الترحيل لمن رُفضت طلباتهم.
اللاجئون في مصر وليبيا: استغلال وعنف
تُعد مصر محطة عبور للعديد من اللاجئين الإريتريين، إلا أن الكثير منهم يُحتجز في مراكز غير رسمية، أو يتعرض للاعتقال بسبب عبور الحدود بطريقة غير قانونية. أما في ليبيا، فالوضع أكثر سوداوية، حيث يُعامل اللاجئون كسلعة تُباع وتشترى، ويُجبرون على العمل القسري أو يتعرضون للتعذيب حتى تدفع أسرهم فدية ضخمة.
الصمت الدولي وتقصير الأمم المتحدة
على الرغم من التقارير المتكررة عن الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الإريتريون، فإن المجتمع الدولي لم يُبدِ رد فعل فعال لحمايتهم. لا تزال مكاتب الأمم المتحدة تعاني من ضعف التمويل، بينما تتردد الدول الأوروبية في استقبال المزيد من اللاجئين، ما يترك آلاف الأشخاص عالقين في طي النسيان، بين حلم النجاة وجحيم الواقع.
دور الشتات الإريتري في تسليط الضوء
لعبت الجاليات الإريترية في أوروبا وأمريكا دورًا مهمًا في نقل معاناة اللاجئين إلى الرأي العام العالمي. من خلال التظاهرات، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمرافعات القانونية، يحاول أبناء الشتات الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد النظام الإريتري، وتقديم دعم ملموس للفارين من بطشه.
الحاجة إلى استراتيجية حماية شاملة
لا يمكن إنهاء معاناة اللاجئين الإريتريين دون معالجة جذور الأزمة داخل إريتريا نفسها. هناك حاجة ملحّة لموقف دولي موحد يطالب بالإصلاح السياسي، وضمان حرية المواطنين، وإنهاء سياسة التجنيد القسري. في الوقت ذاته، يجب تحسين ظروف اللاجئين في المخيمات، وتسهيل إعادة توطينهم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لمن تعرضوا لصدمات جسيمة.