تحتل إيران موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا يجعلها محاطة بدول تعاني من صراعات سياسية وأمنية ممتدة، مثل أفغانستان والعراق. نتيجة لذلك، أصبحت إيران ملاذًا لملايين اللاجئين على مدار العقود الماضية، وتحديدًا من الأفغان، الذين شكلوا النسبة الكبرى من طالبي اللجوء داخل أراضيها. ومع ذلك، فإن المشهد الإنساني للاجئين في إيران لا يخلو من التحديات المتشابكة، حيث تتقاطع الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الواقع اليومي للمُهجّرين، ما يخلق بيئة لجوء فريدة ومعقدة في آنٍ واحد.
أقسام المقال
إيران واستضافة اللاجئين
منذ الحرب السوفييتية في أفغانستان أواخر سبعينيات القرن الماضي، بدأت إيران في استقبال موجات واسعة من اللاجئين، استمرت مع تفجر النزاعات في العراق خلال الثمانينات والتسعينات. وقد منحت السلطات الإيرانية، آنذاك، كثيرًا من اللاجئين تصاريح إقامة مؤقتة، وسُمح للبعض منهم بالاندماج تدريجيًا في بعض نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ساعدت الثقافة والدين المشترك بين الأفغان والفرس في تسهيل احتواء بعض هؤلاء اللاجئين، رغم التحديات الكامنة في البنية التحتية والخدمات.
اللاجئون الأفغان في إيران
يشكل المواطنون الأفغان الغالبية الساحقة من اللاجئين في إيران، إذ يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين شخص، بعضهم حاصل على إقامة قانونية، والآخرون يعيشون بشكل غير نظامي. بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وعودة حركة طالبان إلى الحكم، ارتفعت موجة النزوح مجددًا، لتدخل إيران في دوامة إنسانية جديدة. وتزامن ذلك مع تدهور اقتصادي حاد داخل إيران، ما دفع الحكومة إلى تنفيذ حملات ترحيل جماعية للأفغان، وفرض إجراءات صارمة على دخولهم وتسجيلهم، في وقت لا تزال فيه الحدود بين البلدين تشهد تدفقًا بشريًا شبه يومي.
السياسات الإيرانية تجاه اللاجئين
تُعد سياسة إيران تجاه اللاجئين مزيجًا معقدًا من الترحاب التاريخي والقيود الحديثة. في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن احتضان ملايين اللاجئين وتقديم الرعاية لهم، فإنها تفرض في المقابل قيودًا صارمة على الحركة، والتعليم، والعمل، خاصة للاجئين غير المسجلين. فالكثير من الأطفال الأفغان يواجهون صعوبات في الالتحاق بالمدارس، والبعض يُجبر على العمل في سن مبكرة للمساعدة في إعالة الأسرة. كما يُمنع اللاجئون من الإقامة في بعض المحافظات أو ممارسة بعض المهن، ما يجعل فرص الاندماج شبه معدومة، ويخلق مشهدًا هشًا تتأرجح فيه الحقوق ما بين الحماية القانونية والتمييز غير المعلن.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
تعاني إيران من أزمات اقتصادية متراكمة، ناجمة عن العقوبات الغربية وانخفاض قيمة الريال الإيراني، وارتفاع نسب البطالة. هذه الأوضاع الصعبة تجعل استقبال اللاجئين عبئًا إضافيًا على الحكومة والمجتمع. اللاجئون بدورهم يتحملون وطأة هذه الأزمات، إذ غالبًا ما يعملون في المهن الهامشية منخفضة الأجر دون ضمانات صحية أو قانونية. كما تنتشر بين المجتمعات المضيفة تصورات سلبية بأن اللاجئين يزاحمون السكان على فرص العمل والخدمات، ما يخلق توترًا اجتماعيًا قد يصل في بعض الأحيان إلى أشكال من العنف أو الطرد القسري من مناطق سكنهم.
المجتمع الدولي ودوره في دعم اللاجئين في إيران
رغم عدد اللاجئين الكبير داخل إيران، فإن الدعم الدولي للبلاد في هذا المجال لا يزال محدودًا نسبيًا مقارنة مع حجم الأعباء. تحصل إيران على مساعدات من منظمات مثل المفوضية السامية للاجئين، لكنها تبقى غير كافية لتغطية الاحتياجات المتزايدة، خاصة مع تزايد موجات اللجوء بعد عام 2021. ومع ذلك، فإن الملف الإنساني للاجئين في إيران لا يحتل الأولوية في السياسات الدولية، مما يزيد من مسؤولية طهران المحلية والدولية تجاه اللاجئين، ويُبرز الحاجة إلى اتفاقات دعم شاملة تضمن الخدمات الأساسية، والتعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل للاجئين.
الوضع القانوني للاجئين في إيران
لا تُعد إيران طرفًا في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، ما يعني أن حماية اللاجئين داخلها تستند إلى قوانين وطنية وبرامج تنظيمية مؤقتة. رغم ذلك، تمنح الحكومة بعض الفئات تصاريح إقامة مؤقتة أو بطاقات هوية مؤقتة تُعرف بـ “أوراق الأجانب”، والتي تتيح لحاملها الوصول المحدود إلى التعليم أو العلاج. لكن غياب إطار قانوني شامل يؤدي إلى تفاوت كبير في المعاملة، ويترك كثيرًا من اللاجئين في وضع قانوني هش، لا يسمح لهم بالشعور بالأمان أو الاستقرار.
أثر اللجوء على البنية الاجتماعية الإيرانية
بمرور الزمن، أسهم وجود اللاجئين، خاصة الأفغان، في تشكيل ملامح ديمغرافية وثقافية جديدة في بعض المدن الإيرانية. بعض المناطق أصبحت تعرف بكثافتها السكانية من اللاجئين، ما أثر على تخطيط الخدمات والموارد. كما أن التداخل في سوق العمل أدى إلى ظهور فئات مهمّشة تعاني من فقر مزدوج، كلاجئ وعامل غير محمي. في المقابل، تشكّلت أيضًا روابط مجتمعية مشتركة، وشهدت بعض القطاعات الصناعية تحسنًا بفضل اليد العاملة الوافدة. ولكن تبقى هذه الإيجابيات محدودة في ظل عدم وجود سياسات دمج واضحة.
اللاجئون الإيرانيون
في المقابل، لم تكن إيران فقط وجهة للاجئين، بل أيضًا مصدرًا لموجات لجوء إلى الخارج. فنتيجة للقيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد، لجأ العديد من الإيرانيين إلى دول مثل ألمانيا، تركيا، كندا، الولايات المتحدة وأستراليا. وتتنوع دوافع هؤلاء اللاجئين بين الاضطهاد السياسي والديني، ورفض القيود على الحريات الشخصية، أو السعي لتحسين مستوى المعيشة. يعيش كثير من الإيرانيين اللاجئين في أوضاع قانونية مؤقتة، بينما نجح بعضهم في بناء مجتمعات مغتربة مزدهرة في الخارج، خاصة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، حيث أسهموا في مجالات البحث والتعليم والثقافة.
خاتمة
إن ملف اللجوء في إيران يعكس معادلة صعبة تتقاطع فيها الإنسانية مع الحسابات السياسية والاقتصادية. فبينما تسعى الدولة إلى الحفاظ على مواردها واستقرارها الداخلي، فإنها مطالبة، في المقابل، بتأمين حياة كريمة لمن لجأوا إليها هربًا من ويلات الحروب. ويظل مستقبل اللاجئين في إيران مرهونًا بقدرة الحكومة على تطوير سياسات عادلة وشاملة، وباستعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم الحقيقي، وليس الاكتفاء بالتصريحات. ففي نهاية المطاف، اللجوء ليس أزمة طرف واحد، بل مسؤولية مشتركة تتطلب تضامنًا عابرًا للحدود.