اللجوء في الصومال

تعيش الصومال واحدة من أعقد أزمات اللجوء والنزوح في العالم، حيث تتقاطع فيها مآسي الحرب والجفاف والفقر المدقع، مما يدفع ملايين السكان إلى ترك منازلهم والبحث عن أماكن أكثر أمنًا وكرامة. وبينما تتوالى السنوات، يتفاقم الوضع الإنساني بشكل مقلق، وتزداد حاجة السكان للدعم المحلي والدولي، في ظل انهيار البنية التحتية وشح الموارد. هذا المقال يسلط الضوء على واقع اللجوء في الصومال عام 2025، بتفاصيل دقيقة وحديثة تكشف حجم المعاناة وتبحث عن أفق للحل.

النزوح الداخلي: تهجير قسري داخل الحدود

أصبح النزوح الداخلي في الصومال ظاهرة متجذرة، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 3.2 مليون نازح داخلي حتى منتصف عام 2025، يقيم أغلبهم في مخيمات عشوائية داخل المدن الكبرى مثل مقديشو وبيداوة. النزوح لا يتم دائمًا بسبب الحرب، بل إن الجفاف المستمر ونقص المياه والفيضانات المفاجئة أصبحت من الأسباب المباشرة لفرار العائلات من قراهم. الأطفال والنساء يشكلون النسبة الأكبر من هذا النزوح، ويعيشون في ظروف لا تضمن لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.

اللاجئون القادمون إلى الصومال: مفارقة مأساوية

رغم الأوضاع المزرية التي يعيشها الصوماليون، تستضيف البلاد أكثر من 35,000 لاجئ وطالب لجوء من دول الجوار، خاصة من إثيوبيا واليمن. هؤلاء اللاجئون يدخلون إلى مناطق حدودية غير آمنة، ويقيمون في مخيمات تفتقر للرعاية الصحية والتعليم وحتى الغذاء. المفارقة أن الدولة التي تعاني من النزوح الجماعي تستقبل لاجئين بسبب صراعات أكبر في بلدانهم، مما يسلط الضوء على مدى هشاشة المنطقة بأكملها.

الأطفال: أكثر الفئات هشاشة وتضررًا

يمثل الأطفال في الصومال أكثر من نصف عدد السكان المتضررين من أزمة اللجوء. ملايين الأطفال حُرموا من التعليم بسبب النزوح، وتفاقمت مشكلات مثل عمالة الأطفال والتجنيد القسري في بعض المناطق. سوء التغذية الحاد يهدد حياة أكثر من 1.6 مليون طفل، كما تنتشر أمراض مثل الحصبة والكوليرا في المخيمات نتيجة انعدام النظافة وصعوبة الوصول إلى اللقاحات.

المرأة الصومالية واللجوء: معاناة مضاعفة

المرأة الصومالية تتحمل عبء النزوح بشكل مضاعف، فهي في كثير من الأحيان المسؤولة الوحيدة عن إعالة الأسرة في ظل غياب الزوج أو مقتله في النزاعات. تتعرض النساء في المخيمات لخطر العنف الجنسي والاستغلال، وتفتقر كثيرات منهن إلى أبسط وسائل الحماية والدعم النفسي والاجتماعي. ورغم محاولات منظمات نسوية محلية لتقديم الدعم، إلا أن هذه الجهود تبقى محدودة مقارنة بالاحتياجات الهائلة.

أسباب اللجوء: بين السياسة والطبيعة

تتعدد أسباب اللجوء في الصومال ما بين سياسية وبيئية. الصراعات بين الحكومة الفيدرالية والجماعات المسلحة مثل حركة الشباب، وغياب الاستقرار السياسي، إلى جانب التغير المناخي المدمر، تشكل حزمة متكاملة من الكوارث. السنوات الأخيرة شهدت تزايدًا في موجات الجفاف، مع تسجيل خمس مواسم مطيرة متتالية دون أمطار كافية، ما أدى إلى نضوب المياه ودمار الزراعة ونفوق ملايين رؤوس الماشية.

الاستجابة الإنسانية: بين الطموح والتقصير

رغم الجهود المبذولة من قبل منظمات الأمم المتحدة وشركائها، إلا أن التمويل المتاح لا يغطي سوى 40% من الاحتياجات الأساسية، بحسب آخر التقارير الصادرة في أبريل 2025. الخدمات الصحية تفتقر للأدوية والمعدات، والمخيمات تزداد ازدحامًا دون وجود خطط واضحة للتوسعة أو تحسين البنية التحتية. الاستجابة الإنسانية تعاني من ضعف التنسيق، والتحديات الأمنية تعيق عمليات الإغاثة في بعض المناطق.

هجرة الشباب الصومالي: اليأس يدفع إلى المجهول

في ظل هذا الواقع المرير، يحاول آلاف الشباب الصوماليين الهروب من البلاد عبر طرق الهجرة غير النظامية، خصوصًا نحو أوروبا عبر السودان وليبيا، أو إلى دول الخليج. هذه الرحلات محفوفة بالمخاطر، حيث يتعرض المهاجرون للاستغلال والعنف، وأحيانًا للموت في عرض البحر أو في الصحارى. ومع غياب آفاق الحلول داخل البلاد، تبقى الهجرة خيارًا مرًا لكثير من الشباب الباحث عن حياة أكثر أملًا.

آفاق الحل: خطوات ضرورية للخروج من المأزق

الخروج من أزمة اللجوء في الصومال يتطلب تدخلًا دوليًا جادًا يتجاوز الدعم الإغاثي إلى دعم تنموي طويل الأمد، يعزز الاستقرار السياسي، ويعيد بناء مؤسسات الدولة. يجب الاستثمار في الزراعة والري، وتحسين التعليم، وتمكين النساء، ومساعدة العائلات في العودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية عبر توفير الأمن والخدمات الأساسية. كما يجب إشراك المجتمع المحلي في إدارة عمليات النزوح وتقديم المساعدات بشكل أكثر شفافية وعدالة.