اللجوء في اليمن

تُعد اليمن من أكثر الدول التي تعاني من تعقيدات ملف اللجوء والنزوح، إذ تجتمع فيها صفة الدولة المصدّرة للاجئين، وأيضًا المستقبلة لهم، رغم هشاشة بنيتها التحتية وأوضاعها الإنسانية المتدهورة. فمنذ تفاقم الصراع في عام 2015، يعيش الملايين من اليمنيين بين النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، بينما تستمر البلاد في استقبال لاجئين ومهاجرين من القرن الإفريقي، مما يجعل منها ساحة مزدوجة الأزمات. هذا المقال يستعرض أوجه اللجوء في اليمن، بالأرقام والتحديات، محاولًا تقديم صورة شاملة عن هذا الواقع الإنساني المركّب.

الوضع الإنساني في اليمن وتأثيره على اللجوء

تعاني اليمن من أزمة إنسانية حادة تُعد من بين الأسوأ في العالم، نتيجة للحرب الطويلة والانهيار الاقتصادي وضعف الخدمات الأساسية. يعيش أكثر من 21 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وتضررت البنى التحتية بشكل كبير، مما جعل المناطق الأكثر أمنًا نسبية عاجزة عن استيعاب أعداد النازحين واللاجئين والمهاجرين. هذا الواقع أدى إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال، وفاقم أزمة السكن والتعليم والصحة في معظم أنحاء البلاد.

التحديات التي تواجه اللاجئين في اليمن

يواجه اللاجئون داخل اليمن تحديات معيشية صعبة، في ظل غياب شبه كامل للخدمات الحكومية الأساسية. يعيش العديد منهم في ظروف غير صحية في مخيمات أو مناطق عشوائية، دون توفر مياه نظيفة أو كهرباء أو رعاية طبية منتظمة. وتتعرض فئات كثيرة من اللاجئين، خاصة النساء والأطفال، لمخاطر الاستغلال والعنف، بينما لا تزال بعض المناطق تحت سيطرة جماعات مسلحة تعرقل وصول المساعدات الإنسانية. كما أن انعدام الوضع القانوني لبعض اللاجئين يجعلهم عرضة للاعتقال أو الترحيل القسري.

اللاجئون اليمنيون في الخارج

فرّ مئات الآلاف من اليمنيين إلى الخارج هربًا من النزاع، ويُقدّر عدد اليمنيين المقيمين في الشتات بحوالي 4 ملايين شخص. رغم أن كثيرًا منهم يُصنّفون كمغتربين وليس لاجئين رسميين، إلا أن الآلاف سجلوا كلاجئين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. تحتضن الأردن حوالي 13,800 لاجئ يمني، فيما تستضيف إثيوبيا ما يقارب 4,000، إلى جانب أعداد أقل في دول مثل مصر، الصومال، وماليزيا. لكن العديد من اللاجئين يعانون من صعوبات في الحصول على الإقامة القانونية، وفرص العمل، والرعاية الصحية، في ظل محدودية الدعم المخصص لهم في الدول المضيفة.

النازحون داخليًا في اليمن

يُعد النزوح الداخلي من أبرز سمات الأزمة اليمنية، حيث يعيش أكثر من 4.8 مليون شخص كنازحين داخل حدود البلاد. وتتوزع هذه الأعداد في محافظات مثل مأرب وتعز والحديدة، حيث يعيش معظمهم في ظروف بائسة. وتشير التوقعات إلى أن عدد النازحين قد يصل إلى 5.1 مليون بحلول نهاية 2025 إذا استمرت الأزمة دون حلول جذرية. الجدير بالذكر أن النساء والأطفال يمثلون حوالي 77% من إجمالي النازحين، وهو ما يضعهم في دائرة الخطر بشكل خاص، سواء من الناحية الصحية أو النفسية أو التعليمية.

اللاجئون إلى اليمن

رغم الظروف القاسية، لا تزال اليمن وجهة لموجات من اللاجئين والمهاجرين من دول القرن الإفريقي، وخصوصًا من الصومال وإثيوبيا. يبلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين حاليًا في اليمن حوالي 60,930 شخصًا. ويشكّل الصوماليون 63% من هؤلاء، يليهم الإثيوبيون بنسبة 26%، ثم السوريون بنسبة تقارب 6%. ويمثل هؤلاء الوافدون ضغطًا إضافيًا على البنية المتدهورة في البلاد، حيث يفتقر معظمهم إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، في ظل غياب إطار قانوني واضح يوفر لهم الحماية والدمج.

المهاجرون غير النظاميين إلى اليمن

تشهد السواحل اليمنية تدفقًا مستمرًا للمهاجرين غير النظاميين، خصوصًا من إثيوبيا والصومال، الذين يعبرون البحر الأحمر أو خليج عدن على أمل الوصول إلى السعودية أو دول الخليج. ففي مارس 2025 وحده، وصل إلى اليمن 8,860 مهاجرًا، 95% منهم من إثيوبيا. ومنذ بداية عام 2025، بلغ عدد الوافدين حوالي 37,166 مهاجرًا، يتوزعون بين محافظات شبوة، لحج، وعدن. يُواجه هؤلاء المهاجرون مخاطر الغرق، والاحتجاز، والاتجار بالبشر، بالإضافة إلى أوضاع إنسانية متردية في نقاط العبور والمخيمات المؤقتة.

الجهود الدولية والمحلية لدعم اللاجئين

تبذل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى جانب منظمات أخرى مثل الصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة الإسلامية، جهودًا متواصلة لتوفير الحماية والمساعدات الطارئة للاجئين والنازحين في اليمن. تشمل هذه الجهود توزيع المواد الغذائية، وإنشاء مراكز إيواء مؤقتة، وتقديم خدمات صحية ونفسية. كما تسعى بعض المبادرات المحلية والمجتمعية لتوفير الدعم، رغم ضعف الإمكانيات وتهديدات الصراع. ومع ذلك، فإن التمويل الدولي لا يزال أقل بكثير من حجم الحاجة الفعلية، مما يهدد استمرارية البرامج الإنسانية.

آفاق الحلول المستدامة لقضية اللجوء في اليمن

لا يمكن الوصول إلى حلول مستدامة دون تحقيق سلام دائم وشامل في اليمن. يجب أن تترافق جهود إنهاء النزاع مع خطوات عملية لإعادة تأهيل البنى التحتية، وإعادة دمج اللاجئين والنازحين في مجتمعاتهم الأصلية. كما ينبغي العمل على تطوير قوانين تحمي اللاجئين داخل اليمن، وتمكنهم من الوصول إلى الحقوق الأساسية والخدمات، بالتوازي مع دعم الدول المجاورة لليمن لتحمّل أعباء اللجوء الخارجي. تظل الإرادة السياسية المحلية والدولية العامل الأهم في إنهاء هذه الأزمة متعددة الأبعاد.