اللجوء في تركيا

تُعد تركيا من أبرز المحطات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط لاستقبال اللاجئين، نظرًا لموقعها الجغرافي الحساس بين الشرق والغرب، ولما توفره من إمكانيات مادية وتنظيمية تمكّنها من استيعاب ملايين الأشخاص الفارين من النزاعات أو الاضطهاد أو الكوارث الإنسانية. منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تحوّلت تركيا إلى أكبر بلد مستضيف للاجئين في العالم، ولا تزال حتى اليوم تستقبل آلاف الأشخاص سنويًا من مختلف الجنسيات، مما جعل ملف اللجوء أحد القضايا الرئيسية على الساحة الداخلية والخارجية التركية.

عدد اللاجئين في تركيا وجنسياتهم

حتى يونيو 2025، تستضيف تركيا أكثر من 4 ملايين لاجئ ومهاجر على أراضيها، ما يجعلها الدولة الأولى عالميًا من حيث عدد اللاجئين المسجلين. يُشكّل السوريون النسبة الأكبر، إذ يبلغ عددهم نحو 3.1 مليون شخص مسجّل تحت بند “الحماية المؤقتة”. ويتركز وجودهم بشكل رئيسي في ولايات مثل إسطنبول، غازي عنتاب، هاتاي، وشانلي أورفا. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف تركيا أكثر من 330 ألف لاجئ من جنسيات أخرى تشمل العراق، أفغانستان، إيران، فلسطين، والصومال. وتزايدت أعداد اللاجئين الأوكرانيين منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022. كما تستقبل تركيا الآلاف من طالبي اللجوء الجدد سنويًا، وتُعد نقطة عبور رئيسية نحو أوروبا.

الإطار القانوني للجوء في تركيا

يعتمد نظام اللجوء في تركيا على قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458، والذي أُقر عام 2013 لتحديث الإطار القانوني المتعلق بالأجانب. هذا القانون ينص على منح الحماية لثلاث فئات: اللاجئون، الحاصلون على الحماية الثانوية، والحاصلون على الحماية المؤقتة. يُذكر أن تركيا تطبّق القيود الجغرافية لاتفاقية جنيف لعام 1951، مما يعني أنها تعترف بصفة “لاجئ” فقط للقادمين من دول أوروبية، فيما يتم تصنيف الآخرين ضمن فئات بديلة. ويخضع السوريون منذ عام 2014 لنظام الحماية المؤقتة الذي يمنحهم حق البقاء والخدمات الأساسية.

إجراءات تقديم طلب اللجوء في تركيا

يجب على أي شخص يرغب في طلب اللجوء أن يُسجّل لدى مديرية إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية في المحافظة التي يتواجد فيها. تتضمن الإجراءات ملء استمارات مفصلة، وإجراء مقابلة أولية مع الموظفين المختصين، وقد يتطلب الأمر تقديم وثائق تُثبت أسباب الفرار مثل تقارير أمنية أو شهادات طبية. يتم تقييد حركة بعض اللاجئين في محافظات معينة، ويُطلب منهم مراجعة مراكز معينة دوريًا. يحق لمقدم الطلب الاستئناف على قرار الرفض خلال فترة زمنية محددة، وغالبًا ما يُمنح دعم قانوني مجاني بالتعاون مع نقابات المحامين والمنظمات الحقوقية.

حقوق وواجبات اللاجئين في تركيا

يحصل اللاجئون على العديد من الحقوق وفقًا لنظام الحماية الممنوح لهم. فالسوريون مثلاً يحق لهم الحصول على التعليم في المدارس الحكومية، والاستفادة من الخدمات الصحية في المستشفيات العامة، إضافة إلى التسجيل في برامج الدعم الاجتماعي، مثل البطاقات النقدية الشهرية التي تديرها منظمات دولية. أما غير السوريين، فبإمكانهم الاستفادة من بعض هذه الخدمات بشروط مختلفة. في المقابل، يُطلب من اللاجئين احترام القوانين التركية، وعدم الانخراط في أعمال غير قانونية، كما يُشجعون على تعلم اللغة التركية والاندماج في المجتمع. بعض البلديات توفر دورات مجانية لتعليم اللغة والمهارات المهنية.

التحديات التي تواجه اللاجئين في تركيا

رغم ما توفره تركيا من دعم، إلا أن الواقع على الأرض لا يخلو من تحديات كبرى. أبرزها نقص فرص العمل الرسمية، حيث يضطر كثير من اللاجئين للعمل في القطاع غير الرسمي بأجور منخفضة وظروف غير آمنة. كما يُعاني كثيرون من التمييز الاجتماعي، والعنصرية في بعض الأحيان، خاصة في المدن الكبرى. إضافة إلى ذلك، يواجه الأطفال تحديات في مواصلة التعليم، خصوصًا عند وجود حاجز اللغة أو ضعف الإمكانيات. كما أن بعض اللاجئين يفتقرون إلى الوثائق الثبوتية مما يقيّد حركتهم ويعرضهم لمخاطر قانونية. وتظهر مشكلات أيضًا عند محاولة الاستفادة من الخدمات الصحية نتيجة الضغط الكبير على القطاع الصحي.

برامج التوطين وإعادة التوطين

لا توفر تركيا الجنسية تلقائيًا للاجئين، بل إن الحصول على الجنسية عملية نادرة ومقيدة. لهذا السبب، تُطرح مسألة إعادة التوطين كحل للعديد من اللاجئين الذين لا يستطيعون البقاء في تركيا أو العودة إلى بلدانهم. تُشرف المفوضية السامية للأمم المتحدة على برامج إعادة التوطين التي تُرسل اللاجئين إلى دول ثالثة مثل كندا وألمانيا والسويد. هذه البرامج تُركّز على الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أو أولئك الذين تعرضوا لصدمات نفسية أو تهديدات. ورغم أهميتها، فإنها تظل محدودة ولا تشمل سوى نسبة ضئيلة من اللاجئين في تركيا.

التطورات الأخيرة في سياسة اللجوء التركية

شهدت السياسة التركية في السنوات الأخيرة تغيرات ملحوظة في التعامل مع ملف اللجوء. فقد شددت أنقرة من إجراءات ضبط الحدود مع سوريا وإيران لمنع الدخول غير الشرعي. كما بدأت بتكثيف الرقابة على الإقامات والتصاريح، وفعّلت برامج الترحيل بحق بعض المخالفين. كما أن ملف اللاجئين أصبح محط جدل داخلي في الأوساط السياسية، خصوصًا مع اقتراب كل استحقاق انتخابي. في المقابل، تعمل الحكومة التركية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ضمن إطار اتفاقية عام 2016، والتي تنص على تقديم مساعدات مالية تركية مقابل ضبط حركة اللاجئين نحو أوروبا.

دور المجتمع المدني والمنظمات الدولية

تقوم منظمات المجتمع المدني التركية والدولية بدور فاعل في التخفيف من معاناة اللاجئين. منظمات مثل “الهلال الأحمر التركي”، و”أسام”، و”هيومن رايتس ووتش”، توفر خدمات تعليمية وصحية ودعم قانوني، كما تنظم حملات توعية ومحاضرات لمكافحة الكراهية والتمييز. تُسهم هذه المنظمات في تعزيز قدرات اللاجئين على الاعتماد على الذات من خلال التدريب المهني والمشروعات الصغيرة. وتلعب أيضًا دورًا حيويًا في التفاوض مع الجهات الرسمية لحماية حقوق اللاجئين ومنع ترحيلهم القسري.

المستقبل المحتمل لملف اللجوء في تركيا

يتوقف مستقبل اللجوء في تركيا على عدة عوامل، منها التطورات السياسية والأمنية في دول المنشأ، والوضع الاقتصادي الداخلي، وموقف الاتحاد الأوروبي. تزداد الأصوات المنادية بعودة اللاجئين، خاصة السوريين، إلى مناطق آمنة داخل سوريا، وهو ما تحاول تركيا تنفيذه من خلال مشاريع “العودة الطوعية الآمنة”. لكن منظمات حقوق الإنسان تؤكد أن الظروف في تلك المناطق لا تزال غير آمنة. لذا، يبقى التوازن بين حقوق الإنسان ومصالح الدولة التركية هو التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة.