اللجوء في جيبوتي

تُعد جيبوتي واحدة من أبرز الدول المضيفة للاجئين في منطقة القرن الإفريقي، رغم صغر مساحتها وشُحّ مواردها الاقتصادية. وتكتسب تجربتها في استقبال الفارين من النزاعات أهمية خاصة في ظل موقعها الاستراتيجي بين إفريقيا والشرق الأوسط، وارتباطها الوثيق بدول تعاني من أزمات إنسانية مزمنة. وعلى الرغم من أن جيبوتي نفسها تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية داخلية، إلا أنها أظهرت قدرة استثنائية على استيعاب اللاجئين وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لهم، في سياق يُنظر إليه كنموذج إقليمي للتضامن والتكافل.

جيبوتي وموقعها الجغرافي الحساس

تقع جيبوتي في نقطة التقاء البحر الأحمر وخليج عدن، وتشترك في حدودها البرية مع إريتريا وإثيوبيا والصومال، وتطل على مضيق باب المندب. هذه الخصائص جعلتها محطة رئيسية للاجئين والمهاجرين غير النظاميين القادمين من القرن الإفريقي والمتجهين إلى اليمن ومنه إلى دول الخليج. وتُعتبر جيبوتي بلد عبور واستقرار في آنٍ معًا، حيث يختار بعض اللاجئين البقاء فيها طلبًا للأمان، بينما يسعى آخرون إلى الهجرة إلى وجهات أخرى.

خلفية ديموغرافية حول اللاجئين في جيبوتي

يبلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في جيبوتي أكثر من 33,000 شخص وفق بيانات 2025، وينتمي هؤلاء إلى جنسيات متعددة، أبرزها الصوماليون والإثيوبيون واليمنيون. وتستضيف الدولة عدة مخيمات رئيسية، منها مخيم علي عدي، ومخيم هول هول، إلى جانب مراكز حضرية في مدينة جيبوتي العاصمة. ومن اللافت أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة النساء والأطفال ضمن هذه المجتمعات اللاجئة، ما يعكس هشاشة الأوضاع الأسرية في بلدانهم الأصلية ويزيد من احتياجاتهم الإنسانية.

البنية القانونية الداعمة للاجئين

جيبوتي من الدول القليلة في المنطقة التي وقعت على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وحرصت على دمج مضامينها في تشريعاتها الوطنية. وقد أصدرت قانونًا خاصًا باللاجئين في عام 2017، يُنظم حقوق اللاجئ في التعليم، والعمل، والصحة، والمشاركة المجتمعية. كما قامت بإنشاء اللجنة الوطنية للاجئين وشؤون النازحين، لتنسيق السياسات بين الحكومة والوكالات الدولية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

التعليم كوسيلة لتمكين اللاجئين

يحظى التعليم بأولوية كبيرة ضمن برامج الاستجابة للاجئين في جيبوتي. وقد تم دمج آلاف الأطفال اللاجئين في المدارس الحكومية، مع توفير دعم لغوي وتعليمي خاص يساعدهم على الاندماج. وفي الوقت ذاته، تُنفذ منظمات المجتمع المدني برامج غير رسمية للتعليم في المخيمات، خصوصًا للفتيات اللاتي كنّ محرومات من الدراسة في بلدانهن الأصلية. التعليم لا يمثل فقط فرصة لاكتساب المعرفة، بل أداة رئيسية لتغيير مستقبل هؤلاء الأطفال وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي.

الصحة والخدمات الأساسية

يُعاني القطاع الصحي في جيبوتي من ضغوط كبيرة نتيجة تزايد أعداد اللاجئين، إلا أن الدولة تتعاون مع شركاء دوليين لتوسيع نطاق خدمات الرعاية الأولية. تُقدم خدمات الأمومة والطفولة، وتُجرى حملات تطعيم دورية، كما تُوفّر برامج علاج الأمراض المزمنة والدعم النفسي. وتُعد المياه والصرف الصحي من التحديات الكبرى في المخيمات، حيث تسعى الحكومة إلى تحسين البنية التحتية بمساعدة منظمات إنسانية متخصصة.

الأمن والتحديات المجتمعية

رغم السياسات الإيجابية، تواجه جيبوتي بعض الإشكاليات الأمنية المرتبطة بوجود اللاجئين، خصوصًا في مناطق التهريب والنزاعات القبلية. كما أن هناك تحديات في التعايش بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، خاصة في ظل المنافسة على فرص العمل والخدمات العامة. وتُبذل جهود من قبل الدولة والمنظمات المدنية لتقوية التفاهم المشترك، عبر حملات توعية ومبادرات تشاركية تجمع بين السكان المحليين واللاجئين في أنشطة ثقافية واقتصادية.

المرأة اللاجئة في جيبوتي: بين التحديات والتمكين

تلعب النساء اللاجئات دورًا محوريًا في المجتمعات التي تعشن فيها، إلا أنهن يواجهن تحديات مضاعفة، مثل العنف القائم على النوع، والزواج المبكر، وغياب فرص العمل. ومع ذلك، فإن هناك مبادرات ناجحة لتمكين النساء، من خلال دعم المشاريع الصغيرة، وتوفير برامج التدريب المهني، وخدمات الحماية الاجتماعية. وتمكنت بعض النساء اللاجئات من أن يصبحن قائدات مجتمعيات، يعملن على تعزيز الاستقرار داخل المخيمات.

المساعدات الدولية ودورها في دعم جيبوتي

لا يمكن إنكار أهمية الدعم الدولي في مساعدة جيبوتي على الوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين. فبجانب المفوضية، تقدم منظمات مثل اليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، دعما لوجستيا وتمويليا حيويا. كما تُساهم بعض الدول المانحة بتمويل مشاريع تنموية تستهدف اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حد سواء، لتقليل التوترات وتعزيز التماسك الاجتماعي.

نظرة مستقبلية

تواجه جيبوتي مستقبلًا معقدًا في ظل استمرار تدفق اللاجئين وتزايد التحديات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن ما أنجزته حتى الآن يُعد إنجازًا بالنظر إلى إمكانياتها المحدودة. ولضمان استمرارية هذه الجهود، تحتاج جيبوتي إلى دعم مالي وتقني مستمر، فضلًا عن تعزيز نهج التنمية المستدامة كوسيلة لتوفير حلول دائمة للاجئين والمجتمعات المضيفة. كما أن تسوية النزاعات في دول المنشأ تظل العامل الأكثر أهمية في تقليل تدفق اللاجئين نحو جيبوتي.

خاتمة

تشكل جيبوتي اليوم محطة أمل لعشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من أهوال الحروب والمجاعات والاضطهاد. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية والبيئية، تواصل البلاد الوفاء بواجباتها الإنسانية، في صورة نادرة للتضامن الإقليمي. ومع أن الطريق ما زال طويلاً، إلا أن ما تبذله جيبوتي يُبرز إمكانيات دول الجنوب في تبني سياسات إنسانية واعية، تستحق الدعم والاقتداء.