اللجوء في روسيا

في ظل التغيرات الدولية والتوترات الجيوسياسية المستمرة، أصبحت روسيا وجهة متزايدة الاهتمام من قبل طالبي اللجوء، خاصة من الدول المجاورة التي تعاني من نزاعات مسلحة أو اضطهاد سياسي أو اجتماعي. ورغم أن روسيا لا تُصنف ضمن الدول الأكثر استقبالًا للاجئين بالمقاييس الغربية، إلا أنها تستضيف على أراضيها أعدادًا كبيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 1.23 مليون لاجئ يعيشون في روسيا، معظمهم من أوكرانيا، إلى جانب جنسيات أخرى مثل طاجيكستان وسوريا وأفغانستان.

أنواع اللجوء في روسيا

تنقسم أنواع الحماية القانونية التي تقدمها روسيا لطالبي اللجوء إلى أربعة أنماط رئيسية، تهدف إلى تكييف وضع الأفراد وفقًا لطبيعة التهديد الذي يواجهونه في بلدانهم. ويُعد هذا التنوع خطوة قانونية مهمة تعكس اعتراف الدولة بوجود تفاوت في أسباب اللجوء، وإن لم يُترجم عمليًا دومًا إلى دعم فعلي متكامل.

  • اللجوء الكامل: هو شكل الحماية الأكثر رسمية، ويُمنح للأفراد الذين يتعرضون للاضطهاد في بلدانهم الأصلية، مع منحهم إقامة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد.
  • اللجوء المؤقت: يُقدم كحل بديل لأولئك الذين لا تنطبق عليهم معايير اللجوء الكامل، ولكنه يوفر حماية مؤقتة لمدة عام واحد، ويمكن تجديده في بعض الحالات.
  • اللجوء السياسي: عادة ما يُمنح بمرسوم رئاسي خاص، وهو نادر ويشترط وجود خلفية سياسية واضحة وموثقة تُبرر الحاجة لهذا الشكل من الحماية.
  • الحماية المؤقتة الجماعية: غالبًا ما تُمنح في حالات النزوح الجماعي، كما حصل مع مئات الآلاف من الأوكرانيين منذ 2014 ثم تصاعدت الأعداد بعد عام 2022.

إجراءات تقديم طلب اللجوء في روسيا

تُعد الإجراءات الروسية للحصول على اللجوء بيروقراطية إلى حدٍ ما، وتبدأ عادة بالتسجيل في أقرب وحدة تابعة لوزارة الداخلية الروسية. يُطلب من المتقدم تقديم وثائق تثبت هويته، بالإضافة إلى شرح مفصل عن سبب مغادرته لبلده وخطورة عودته إليه. كما تُجرى مقابلات شخصية واستبيانات أمنية، وقد تستغرق دراسة الطلبات عدة أشهر.

وبمجرد تقديم الطلب، يحصل الشخص على شهادة مؤقتة تسمح له بالبقاء في روسيا، إلا أن هذه الوثيقة لا تمنحه الحق في العمل أو الاستفادة من المساعدات الاجتماعية، ما يضع الكثيرين في موقف هش وصعب على الصعيد المعيشي.

التحديات التي تواجه طالبي اللجوء في روسيا

رغم وجود قوانين تنظم عملية اللجوء، فإن الواقع العملي يحمل تحديات كبيرة. أبرزها هي نسبة القبول المنخفضة جدًا، والتي لا تتجاوز غالبًا 5% من الطلبات المقدمة، ما يدفع البعض إلى اللجوء غير النظامي. كذلك، لا توفر الحكومة الروسية دعمًا اقتصاديًا أو سكنيًا كافيًا لطالبي اللجوء خلال فترة دراسة طلباتهم، مما يجعلهم عرضة للتشرد أو الاستغلال.

إضافة إلى ذلك، يعاني الكثير من اللاجئين من الحواجز اللغوية والثقافية، فضلاً عن التمييز الاجتماعي في بعض المناطق، خاصة ضد ذوي الأصول غير السلافية. كما أن القيود المفروضة على العمل الرسمي تزيد من صعوبة الاندماج والاستقرار.

التغيرات الأخيرة في سياسة اللجوء الروسية

خلال السنوات الأخيرة، بدأت روسيا بإجراء تعديلات ملحوظة على قوانينها المتعلقة باللجوء، خاصة بعد تفاقم الأوضاع في أوكرانيا. فقد تم تبسيط الإجراءات بالنسبة لبعض الفئات، مثل المواطنين الأوكرانيين والروس السابقين الذين فقدوا جنسيتهم، دون الحاجة لإثبات الكفاءة اللغوية أو اجتياز اختبارات الثقافة الروسية.

كما أعلنت السلطات الروسية نيتها توسيع نطاق من يحق لهم التقديم على الحماية المؤقتة ليشمل أشخاصًا يعانون من الاضطهاد بسبب مواقفهم من القيم الغربية أو دعمهم للمواقف الروسية في النزاعات الإقليمية. هذه السياسات تعكس محاولة موسكو توظيف ملف اللجوء كأداة دبلوماسية، إضافة إلى الاستفادة منه على الصعيد الديموغرافي في بعض المناطق.

عدد اللاجئين في روسيا واللاجئين الروس في الخارج

بحسب البيانات الصادرة عام 2023، تستضيف روسيا أكثر من 1.23 مليون لاجئ، يشكل الأوكرانيون الغالبية الساحقة منهم، بالإضافة إلى لاجئين من آسيا الوسطى والشرق الأوسط. ويُلاحظ ارتفاع حاد في أعداد اللاجئين منذ عام 2022 نتيجة الحرب في أوكرانيا، حيث وفرت روسيا الحماية لعشرات الآلاف من المدنيين القادمين من مناطق النزاع.

في المقابل، غادر أكثر من 800 ألف مواطن روسي البلاد منذ اندلاع الحرب، معظمهم بسبب معارضتهم للسياسات الحكومية أو بسبب التعبئة العسكرية. ووفق التقديرات، لا يزال أكثر من 650 ألف روسي يعيشون في الخارج بشكل دائم حتى منتصف 2024، ويُعد بعضهم لاجئين سياسيين، بينما اختار آخرون الهجرة الاقتصادية.

دور المنظمات الدولية في دعم اللاجئين في روسيا

تقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدور أساسي في تقديم الدعم القانوني والإنساني لطالبي اللجوء داخل روسيا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والبيروقراطية التي يواجهها الأفراد. كما تقدم منظمات غير حكومية روسية محدودة خدمات استشارية أو دعم نفسي، لكنها تواجه ضغوطًا حكومية قد تعيق عملها أحيانًا.

الخلاصة

اللجوء في روسيا هو ملف معقد يتداخل فيه القانون مع السياسة والاقتصاد. فرغم وجود بنية قانونية تنظّم هذه العملية، إلا أن التطبيق العملي لا يزال بحاجة إلى إصلاحات شاملة، خاصة في ما يتعلق بالدعم الاجتماعي وفرص العمل والاندماج. ومع التغيرات المستمرة في المشهد الدولي، من المتوقع أن يستمر ملف اللجوء في روسيا بالتطور، ما يستدعي مراقبة حثيثة ومراجعة دورية للسياسات ذات الصلة.