اللجوء في ساحل العاج

في ظل الاضطرابات المتزايدة في غرب إفريقيا، أصبحت ساحل العاج واحدة من أبرز الوجهات التي يلجأ إليها الفارون من النزاعات المسلحة وانعدام الأمن في الدول المجاورة. وقد أدى هذا الواقع إلى تحول ساحل العاج من بلد مصدر للاجئين إلى بلد مستضيف لهم، في تحدٍ يختبر قدراتها الاقتصادية والاجتماعية، ويضعها أمام مسؤوليات إنسانية متزايدة. في هذا المقال، نسلط الضوء على واقع اللجوء في ساحل العاج، من حيث الأعداد المتزايدة للاجئين، والسياسات الحكومية، والدور الدولي، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه المجتمعات المضيفة داخل البلاد.

تزايد أعداد اللاجئين في ساحل العاج

تشهد ساحل العاج منذ عام 2023 تزايدًا كبيرًا في أعداد اللاجئين القادمين إليها، خاصة من بوركينا فاسو ومالي، نتيجة تصاعد أعمال العنف والصراعات الطائفية والإرهابية. وتفيد التقارير الأممية أن عدد اللاجئين ارتفع بنسبة تقارب 80% خلال عام واحد، مما خلق ضغطًا غير مسبوق على قدرات الدولة في الإيواء وتقديم المساعدات الإنسانية. وقد تجاوز عدد اللاجئين المُسجلين رسميًا عتبة 65,000 لاجئ، فيما تشير التقديرات إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير، نظرًا لتوافد أعداد غير مُسجلة عبر الحدود البرية المفتوحة جزئيًا.

التركيبة السكانية للاجئين وطالبي اللجوء

تُظهر البيانات الميدانية أن أغلبية اللاجئين الوافدين إلى ساحل العاج هم من الفئات الأكثر هشاشة، وعلى رأسها النساء والأطفال. ويشكّل الأطفال دون سن 18 عامًا نسبة تزيد عن 55% من إجمالي اللاجئين، ما يفرض تحديات إضافية في مجالات التعليم والصحة النفسية والاجتماعية. كما أن العديد من النساء يصلن إلى البلاد بعد فقدان المعيل أو التعرض لصدمات نفسية شديدة، وهو ما يتطلب استجابة خاصة تراعي احتياجاتهن في الحماية والدعم النفسي والاجتماعي.

الإطار القانوني والسياسات المتعلقة باللجوء

رغم أن ساحل العاج من الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى قانون وطني شامل ينظم قضايا اللجوء والإقامة والحماية. ويعمل البرلمان الإيفواري منذ سنوات بالتعاون مع المنظمات الدولية على صياغة قانون خاص باللاجئين، إلا أن تمريره لا يزال معلقًا، ما يترك فجوة تشريعية تُصعب من حماية الحقوق القانونية للاجئين، وتُضعف من قدرتهم على الوصول إلى الخدمات العامة أو الانخراط في سوق العمل.

التحديات والاحتياجات الإنسانية

تعاني المناطق الحدودية في شمال البلاد، حيث يتمركز غالبية اللاجئين، من نقص حاد في الخدمات الأساسية. ويشمل ذلك ندرة المياه النظيفة، وضعف خدمات الصرف الصحي، ونقص الكوادر الطبية. كما أن البنية التحتية للملاجئ المؤقتة لا تتناسب مع الأعداد المتزايدة، ما يؤدي إلى تكدس الأسر في خيام أو مساكن لا تضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. إضافة إلى ذلك، هناك تحديات متعلقة بالأمن الغذائي، حيث لا تكفي المساعدات الحالية لتغطية الاحتياجات اليومية لجميع اللاجئين.

دور المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية

يلعب المجتمع الدولي دورًا مهمًا في دعم ساحل العاج في مواجهة أزمة اللجوء، إذ توفر منظمات مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأغذية العالمية، برامج إنسانية واسعة تشمل الغذاء والمأوى والتعليم. كما تُقدّم بعض الجهات الأوروبية مساعدات تقنية ومالية لتقوية البنية التحتية في المناطق المستضيفة، والمساعدة في تدريب كوادر محلية للتعامل مع اللاجئين بطريقة مهنية وإنسانية. ومع ذلك، فإن فجوة التمويل لا تزال قائمة، وتقدر الحاجة إلى مضاعفة الدعم خلال السنوات المقبلة إذا استمرت معدلات النزوح الإقليمي على وتيرتها الحالية.

الاندماج الاجتماعي والتفاعل مع المجتمعات المحلية

يُعد الاندماج الاجتماعي للاجئين في المجتمعات المحلية إحدى التحديات المعقدة التي تواجه السلطات في ساحل العاج. ففي بعض المناطق، يُنظر إلى اللاجئين كعبء على الموارد المحدودة أو كمنافسين على فرص العمل. لكن في المقابل، توجد مبادرات محلية ناجحة تهدف إلى تعزيز التعايش من خلال المشاريع المشتركة، مثل الزراعة المجتمعية والتعليم المشترك للأطفال من اللاجئين والسكان المحليين. وتشير التجارب الميدانية إلى أن الحوار المجتمعي المستمر وبرامج التوعية تلعب دورًا محوريًا في تخفيف التوترات وتعزيز التفاهم بين الطرفين.

آفاق المستقبل والتوصيات

مع استمرار الأزمات الأمنية في غرب إفريقيا، من المتوقع أن يبقى ملف اللجوء في ساحل العاج حاضرًا وبقوة على الأجندة الوطنية والدولية. ولهذا فإن تعزيز الإطار التشريعي، وتحسين البنية التحتية، وزيادة التمويل الإنساني، تُعد خطوات لا غنى عنها لمواجهة التحديات المقبلة. كما يُوصى بإشراك اللاجئين أنفسهم في عمليات صنع القرار المتعلقة بمصيرهم، وتوسيع فرص التعليم والتدريب المهني أمامهم، بهدف الانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة إلى مرحلة الاستقرار والتمكين.