اللجوء في غينيا بيساو

تُعد قضايا اللجوء والنزوح من أبرز التحديات التي تواجه العالم المعاصر، حيث تدفع النزاعات المسلحة، والأزمات السياسية، والكوارث الإنسانية أعدادًا متزايدة من الأشخاص إلى البحث عن ملاذ آمن خارج أوطانهم. ومن بين الدول التي تعيش هذه الظاهرة بشكل خاص، تبرز غينيا بيساو، الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا، كلاعب في المشهد الإقليمي لاستقبال اللاجئين، بل وأيضًا كمصدر لطالبي اللجوء. وعلى الرغم من إمكاناتها المحدودة، فإن لغينيا بيساو موقعًا إنسانيًا في خارطة اللجوء يستحق التوقف عنده لفهم أبعاده.

الوضع القانوني للاجئين في غينيا بيساو

تعتمد غينيا بيساو في سياساتها المتعلقة باللاجئين على اتفاقيات دولية تُعد ركيزة أساسية في القانون الدولي الإنساني، مثل اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها الملحق لعام 1967. وقد صادقت البلاد على هذه الاتفاقيات، مما يدل على التزامها بتوفير الحماية القانونية للاجئين. وحرصًا على تنظيم عمليات اللجوء بشكل منظم، أصدرت الحكومة في عام 2008 قانونًا وطنيًا يُحدد بوضوح آليات استقبال اللاجئين، وحقوقهم، وواجباتهم داخل أراضيها. ويتولى “المعهد الوطني للهجرة” مسؤولية الإشراف على تنفيذ هذه السياسات، بالتعاون الوثيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تقدم الدعم الفني والمؤسسي.

إجراءات تقديم طلب اللجوء

يتوجب على أي شخص يرغب في الحصول على الحماية الدولية في غينيا بيساو أن يتقدم بطلب لجوء رسمي لدى الجهات المعنية، وعلى رأسها المعهد الوطني للهجرة. وتشمل الإجراءات تقديم بيانات شخصية دقيقة، وأسباب اللجوء، والوثائق الداعمة. عقب ذلك، يخضع مقدم الطلب لمقابلة رسمية، يُقيَّم فيها مدى انطباق معايير اللجوء عليه. وتهدف هذه الإجراءات إلى التحقق من صحة الادعاءات وضمان عدم إساءة استخدام نظام اللجوء. وخلال فترة الانتظار، يُمنح طالب اللجوء إقامة مؤقتة مع بعض الحقوق الأساسية مثل الحماية من الترحيل القسري.

التحديات التي تواجه اللاجئين في غينيا بيساو

تواجه الدولة تحديات بنيوية تؤثر على قدرة نظامها على تقديم خدمات متكاملة للاجئين. وتعاني غينيا بيساو من ضعف البنية التحتية، وقلة الموارد المالية، وافتقار مؤسساتها للخبرات المتقدمة في إدارة ملفات اللجوء. ويؤدي هذا إلى صعوبات في توفير الرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن غياب برامج اندماج فعالة. وتبذل بعض المنظمات الإنسانية جهودًا لتقديم الدعم القانوني والنفسي، إلا أن الوصول إلى هذه الخدمات يبقى محدودًا في العديد من المناطق، خصوصًا الريفية منها.

دور المجتمع الدولي في دعم اللاجئين

يدرك المجتمع الدولي أن دولة بحجم وإمكانات غينيا بيساو لا يمكن أن تتحمل عبء اللجوء وحدها. ولهذا، تقدم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دعمًا متعدد الأوجه يشمل التدريب وبناء القدرات، وتوفير المأوى، والتعليم، والرعاية الصحية. كما تشارك منظمات أخرى مثل الصليب الأحمر ومؤسسات تنموية دولية في دعم خطط الاستجابة الإنسانية. وفي حالات الطوارئ، تُقدَّم مساعدات غذائية ونقدية مباشرة لتغطية الاحتياجات الأساسية. وقد أثمر هذا التعاون عن تحسين بعض المؤشرات، إلا أن الاحتياجات ما زالت تفوق الموارد.

أعداد اللاجئين من وإلى غينيا بيساو

تشير أحدث الإحصائيات حتى مارس 2025 إلى أن غينيا بيساو تستضيف 32 لاجئًا و37 طالب لجوء فقط. ويُعد هذا الرقم منخفضًا جدًا مقارنة ببعض الدول الإفريقية المجاورة، ما يعكس محدودية قدرة الدولة على الاستيعاب، وليس بالضرورة غياب الحاجة. من جهة أخرى، فإن الدولة تشهد تدفقًا واضحًا في عدد طالبي اللجوء من مواطنيها إلى دول أخرى، إذ بلغ عدد طلبات اللجوء المقدمة من الغينيين في عام 2023 حوالي 676 طلبًا، قدم معظمها في دول مثل البرازيل، إيطاليا، البرتغال، فرنسا، وألمانيا. وقد شهدت فرنسا وحدها رفض 103 طلبات من أصل 110، في حين قبلت البرازيل 73 طلبًا، وهو ما يشير إلى تفاوت سياسات اللجوء في الدول المستقبلة.

الاندماج الاجتماعي وتحديات الثقافة واللغة

تشكل اللغة والثقافة عائقين أساسيين أمام اندماج اللاجئين في المجتمع المحلي. فرغم أن اللغة الرسمية هي البرتغالية، فإن الغالبية العظمى من السكان يتحدثون لغات محلية مثل الكريولو. وهذا يجعل من الصعب على اللاجئين، خصوصًا أولئك القادمين من مناطق لا تتحدث البرتغالية، التفاعل مع المجتمع أو الحصول على فرص عمل. كما يواجه اللاجئون تحديات في التكيف مع البيئة الاجتماعية، في ظل انعدام برامج دعم لغوي أو ثقافي ممنهجة. وفي حالات عدة، يؤدي هذا إلى عزلة اجتماعية قد تطول.

الآفاق المستقبلية للجوء في غينيا بيساو

تُعد غينيا بيساو من الدول التي ما زالت في طور بناء نظامها الوطني للجوء، وهو ما يفتح المجال لتطويرات مستقبلية إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الدولي الكافي. ويُتوقع أن تظل الدولة وجهة محدودة للاجئين من دول الجوار، خاصة في حال استمرار النزاعات الإقليمية، لا سيما في دول مثل غينيا وسيراليون. ويُرجَّح أن يشهد نظام اللجوء في البلاد تطورًا تدريجيًا في السنوات القادمة، خصوصًا مع تصاعد التنسيق مع المنظمات الدولية، وتزايد الوعي بأهمية توفير بيئة آمنة تحفظ كرامة الإنسان.