اللجوء في مدغشقر

تُعد مدغشقر من الدول الجزرية التي غالبًا ما يتم تجاهلها عند الحديث عن قضايا اللجوء الإقليمي والدولي، رغم أنها تواجه ظروفًا بيئية واجتماعية قد تجعلها طرفًا أساسيًا في معادلة النزوح الإنساني في إفريقيا والمحيط الهندي. وبينما تتصدر دول مثل كينيا وأوغندا وموزمبيق مشهد استضافة اللاجئين، تُكافح مدغشقر في صمت للتعامل مع حالات اللجوء والنزوح الداخلي وسط إمكانيات محدودة وتحديات متزايدة ناتجة عن الكوارث الطبيعية والفقر الهيكلي. يعرض هذا المقال تحليلًا شاملًا لأوضاع اللجوء في مدغشقر.

البيئة القانونية للجوء في مدغشقر

تنتمي مدغشقر إلى قائمة الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وهو ما يعكس التزامًا مبدئيًا منها تجاه احترام حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم تصادق البلاد على بروتوكول عام 1967، مما يجعل نطاق تطبيق الاتفاقية مقيدًا زمنيًا وجغرافيًا. لا تزال البنية التشريعية الوطنية الخاصة باللجوء ضعيفة، وتفتقر إلى آلية قانونية مستقلة للفصل في طلبات اللجوء. وتُسند بعض المهام إلى وزارة الداخلية، لكنها لا تمتلك كوادر مدرّبة كافيًا للتعامل مع الحالات المعقدة التي تتطلب دراسة معمقة.

كما أن غياب برامج دمج فعالة للّاجئين داخل المجتمع المحلي يزيد من العزلة التي يعيشها اللاجئون، خاصة في غياب برامج تعليمية أو مهنية تساعدهم على بناء حياة مستقلة.

اللاجئون وطالبو اللجوء في مدغشقر

بلغ عدد اللاجئين المسجلين في مدغشقر حوالي 49 شخصًا بحلول نهاية 2023، وهو رقم يعكس الانخفاض المتواصل منذ عام 2020، ويُفسَّر بانخفاض معدلات الاستقبال، وضعف الخدمات المتاحة، إلى جانب الموقع الجغرافي المعزول للبلاد. تنحدر أغلب هذه الحالات من باكستان، اليمن، أفغانستان، والصومال، وهي دول تعاني من نزاعات مزمنة.

تُعاني هذه الفئة من غياب الدعم القانوني والمعنوي، كما أن الوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات التعليمية لا يزال محدودًا للغاية. علاوة على ذلك، لا توجد سياسات واضحة لمنح الإقامة طويلة الأمد أو الجنسية، مما يترك اللاجئين في حالة من اللايقين القانوني والاجتماعي.

النزوح الداخلي نتيجة للكوارث الطبيعية

تُعرف مدغشقر بكونها من أكثر الدول عرضة للكوارث الطبيعية في إفريقيا، حيث تضربها الأعاصير المدارية والجفاف والفيضانات بشكل شبه دوري. في عام 2022 وحده، تسببت الكوارث الطبيعية في نزوح ما يقارب 291,000 شخص داخل البلاد، وهو أعلى رقم يسجل في تاريخ الدولة المعاصر.

تعجز البنية التحتية الضعيفة عن استيعاب هذه الصدمات، كما أن المناطق الريفية تُعد الأكثر تضررًا بسبب بعدها عن مراكز الخدمات. وتؤثر هذه الظاهرة على الأطفال بشكل خاص، حيث يُحرم العديد منهم من التعليم ويواجهون مخاطر الاستغلال.

دور المنظمات الدولية في دعم اللاجئين

تقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بجهود متواضعة في مدغشقر نظرًا لمحدودية التمويل وتراجع أولوية الدولة في أجندة الاستجابة الدولية. تشمل هذه الجهود توفير الدعم القانوني الأولي، وتقديم مساعدات غذائية طارئة، إلى جانب المساهمة في تحسين الظروف الصحية الأساسية في بعض المخيمات والمراكز المؤقتة.

من جهة أخرى، تعمل بعض المنظمات الإنسانية المحلية بالتعاون مع الكنائس والمجتمعات المحلية لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، لكن حجم الطلب يفوق الإمكانيات بكثير. ويُلاحظ أيضًا نقص في الخبرات المتخصصة في التعامل مع الصدمات النفسية التي يعاني منها اللاجئون، مما يجعل إعادة التأهيل الاجتماعي والنفسي أمرًا بالغ الصعوبة.

التحديات والفرص المستقبلية

تشمل التحديات الأساسية التي تواجهها مدغشقر في مجال اللجوء: غياب السياسات الواضحة، ضعف التمويل، قلة الوعي الشعبي، وافتقار البنية الإدارية للخبرة الكافية. لكن من جهة أخرى، تملك البلاد فرصًا واعدة يمكن أن تشكل نقطة انطلاق لحلول مستدامة، إذا تم استغلالها بذكاء.

يمكن للحكومة أن تعزز من تعاونها مع المنظمات الدولية لتحديث منظومتها القانونية، وإطلاق حملات توعية وطنية لتعزيز تقبل المجتمع للّاجئين، فضلًا عن إقامة شراكات مع مؤسسات التعليم والتدريب المهني لدمج اللاجئين في سوق العمل المحلي، خصوصًا في مجالات الزراعة والسياحة البيئية، وهما قطاعان واعدان في البلاد.

خاتمة

رغم العدد المحدود للاجئين وطالبي اللجوء في مدغشقر، إلا أن التحديات المحيطة بهم هائلة، وتستدعي تدخلًا متكاملًا من السلطات الوطنية والمجتمع الدولي. كما أن ظاهرة النزوح الداخلي المتزايد بسبب الكوارث الطبيعية تشكل تهديدًا إنسانيًا متصاعدًا. إن تحسين البنية القانونية، وتوسيع نطاق الدعم الإنساني، وتمكين اللاجئين والنازحين من بناء حياة كريمة، يجب أن تكون أولويات حقيقية في سياسات الدولة خلال السنوات القادمة.