اللجوء في موزمبيق

تعيش موزمبيق حالة إنسانية متصاعدة مع تفاقم أزمات اللجوء والنزوح الداخلي نتيجة للصراعات المسلحة وتغير المناخ والكوارث الطبيعية. ورغم أن هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق إفريقيا لا تُعد من أكبر مستقبلات اللاجئين مقارنة بجيرانها، فإن الأوضاع الميدانية جعلت منها نقطة محورية في خارطة اللجوء داخل القارة. وتتركز التحديات الكبرى في شمال البلاد، حيث تتسبب النزاعات المسلحة في موجات نزوح كبيرة، بينما تُكافح السلطات والمنظمات الإنسانية لتقديم الحد الأدنى من المساعدات.

الوضع الحالي للاجئين في موزمبيق

يُقيم في موزمبيق أكثر من 24,000 لاجئ وطالب لجوء، ينحدر معظمهم من دول إفريقية مجاورة مثل الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا، فيما يتجاوز عدد النازحين داخليًا حاجز 800,000 شخص، حسب تقديرات عام 2025. وتحتضن مناطق مثل نياماتاندا ومابوتو ونامبولا مراكز مؤقتة للإيواء، تشهد اكتظاظًا واضحًا وسط ضعف في البنية التحتية. وتعتبر محافظة كابو ديلغادو بؤرة التوتر الرئيسية، حيث دفعت الهجمات المتكررة للمتطرفين آلاف السكان للفرار باتجاه الجنوب.

تحديات العودة وإعادة التوطين

تشهد جهود إعادة اللاجئين إلى مناطقهم الأصلية بطئًا شديدًا، إذ يصطدم العائدون بمشاكل متعددة أبرزها غياب الأمان، ووجود الألغام، وانعدام الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والمدارس. كما يعاني اللاجئون من فقدان مستنداتهم الرسمية، مما يعيق استئناف حياتهم أو استحقاقهم للمساعدات. وتُطالب المنظمات الدولية الحكومة بتوفير إطار قانوني يحفظ حقوق العائدين ويضمن إعادة بناء المجتمعات المنهكة.

تأثير التغيرات المناخية على اللاجئين

من أبرز العوامل التي تُفاقم أزمة اللجوء في موزمبيق هي التغيرات المناخية، التي باتت تُخلف آثارًا مدمرة في بلد يعتمد بشكل كبير على الزراعة والصيد. فقد ضرب البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية عدد من الأعاصير مثل “إيداي” و”كينيث” و”تشينيسو”، وتسببت هذه الكوارث في تدمير قرى بأكملها وتشريد عشرات الآلاف. كما أدى الجفاف المتكرر إلى فقدان مصادر المياه، ما عمّق أزمة الغذاء بين السكان، لا سيما في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها.

الاستجابة الإنسانية والتحديات التمويلية

تُشرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الأغذية العالمية واليونيسف على تقديم الدعم للاجئين، إلا أن هذه الجهود تعاني من نقص فادح في التمويل. فغالبًا ما يتم تغطية أقل من 70% من الاحتياجات المالية السنوية، مما يؤدي إلى تقليص حصص الغذاء أو تأخير توزيعها. كما تفتقر المدارس في المخيمات إلى المعلمين والمستلزمات، ما يدفع الأطفال إلى التسرب والانخراط في أعمال هامشية أو حتى الانضمام إلى الجماعات المسلحة.

النزاعات المحلية على الموارد

مع تزايد عدد العائدين إلى مناطقهم الأصلية، تفجرت نزاعات بين السكان حول ملكية الأراضي والموارد. ففي حالات كثيرة، وجد العائدون أن أراضيهم قد استُغلت من قبل آخرين خلال فترة غيابهم، أو أن السلطات قامت بإعادة توزيعها بدون سند قانوني. وتساهم هذه النزاعات في إثارة التوتر المجتمعي، لا سيما في ظل غياب مؤسسات محلية قوية لحل النزاعات بالطرق السلمية.

دور المجتمع الدولي في دعم موزمبيق

المجتمع الدولي مطالب اليوم بلعب دور أكثر فاعلية لدعم موزمبيق، ليس فقط من خلال الدعم المالي، بل عبر تقديم الخبرات الفنية للمساعدة في التخطيط الحضري، وإعادة بناء المرافق العامة، وتطوير برامج إعادة الإدماج الاقتصادي. كما يجب دعم المؤسسات الأمنية والقضائية لضمان العدالة والحد من الإفلات من العقاب في المناطق المتأثرة بالنزاع. وتبرز كذلك الحاجة إلى استثمارات في البنية التحتية الصحية والتعليمية في المناطق المستقبلة للنازحين.

قضايا النوع الاجتماعي داخل مراكز اللجوء

تعاني النساء والفتيات داخل مراكز اللجوء من أوضاع غير آمنة، إذ تسجل تقارير حقوقية زيادة في حالات العنف القائم على النوع، بما يشمل الاعتداءات الجنسية وزواج القاصرات. كما تواجه النساء صعوبة في الحصول على الخدمات الصحية، خاصة المرتبطة بالحمل والولادة، في ظل نقص الكوادر الطبية. وتطالب منظمات نسوية بإدماج البعد الجندري في كل البرامج الإنسانية لضمان الحماية الكاملة للنساء والفتيات.

التعليم في سياق اللجوء في موزمبيق

يُعد التعليم أحد أكبر التحديات التي تواجه الأطفال اللاجئين والنازحين، حيث تُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60% من الأطفال في المخيمات لا يتلقون تعليمًا منتظمًا. وغالبًا ما تُقام المدارس في خيام مؤقتة أو مبانٍ متهالكة، ولا يوجد ما يكفي من الكتب أو المقاعد الدراسية. وتعتبر هذه الفجوة التعليمية تهديدًا مباشرًا لمستقبل جيل كامل من الأطفال في موزمبيق.

الخلاصة

تُمثل أزمة اللجوء في موزمبيق مرآة معقدة لتداخل العوامل السياسية والمناخية والاجتماعية التي تؤدي إلى نزوح جماعي ومعاناة إنسانية متفاقمة. ويتطلب التعامل مع هذه الأزمة نهجًا متكاملًا يشمل الدعم الإنساني العاجل، وجهود التنمية المستدامة، والحلول السياسية للنزاعات. وإذا لم تُتخذ إجراءات جذرية وشاملة، فقد يستمر تصاعد الأوضاع، مع ما يحمله ذلك من تهديد لاستقرار البلاد والمنطقة بأسرها.