اللغة الرسمية في الأردن

تُعد اللغة العربية في المملكة الأردنية الهاشمية حجر الزاوية في تكوين الدولة وهويتها الوطنية، فهي ليست فقط وسيلة للتواصل، بل أداة تعبير حضاري، ومرآة للثقافة العربية والإسلامية التي تمتد جذورها في التاريخ الأردني. يُدرك الأردنيون أهمية الحفاظ على لغتهم الرسمية في ظل موجات العولمة والاختراق الثقافي، ولهذا جاءت القوانين والمبادرات لتدعيم مكانة اللغة العربية كلغة رسمية تُستخدم في مختلف ميادين الحياة السياسية والتعليمية والإدارية والثقافية. من خلال هذا المقال، نُلقي الضوء على مكانة اللغة العربية في الأردن من زوايا متعددة، ونسلط الضوء على التحديات التي تواجهها، والجهود الحثيثة المبذولة للحفاظ على نقائها وانتشارها.

اللغة العربية في الدستور الأردني

ينص الدستور الأردني بوضوح في مادته الثانية على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وهذا ما يمنحها قوة قانونية تُلزم جميع المؤسسات الرسمية بتبنيها في وثائقها ومراسلاتها، كما يُشكل هذا النص قاعدة أساسية تضمن استمرار اللغة في أداء دورها كوسيلة موحدة للخطاب الرسمي والقانوني. ويُعد إدراج اللغة في الدستور خطوة تعكس مدى ارتباط الدولة بهويتها الثقافية والعربية، وتُعبّر عن وعي تشريعي بأهمية اللغة في تعزيز الوحدة الوطنية.

التشريعات الداعمة للغة العربية في الأردن

إضافة إلى الدستور، أُصدر قانون حماية اللغة العربية رقم 35 لعام 2015 ليُعزز من حضور اللغة في المؤسسات العامة والخاصة. ينص القانون على ضرورة استخدام اللغة العربية في اللوحات الإعلانية، والمراسلات الحكومية، والعقود، وكل ما يصدر عن المؤسسات الأردنية. كما يُلزم هذا القانون الشركات الأجنبية العاملة في الأردن بتوفير نسخ عربية من وثائقها الرسمية. ولضمان التطبيق، ينص القانون على غرامات في حال المخالفة، ما يُظهر جدية الدولة في فرض احترام اللغة الرسمية.

دور مجمع اللغة العربية الأردني

يُعد مجمع اللغة العربية الأردني من أهم المؤسسات التي تتصدى لمهمة حفظ اللغة وتطويرها. أنشئ في عام 1976 ليكون منارة فكرية تُعنى بتعريب العلوم، ومتابعة استخدامات اللغة في الإعلام والتعليم، وإصدار المصطلحات الجديدة المعربة وفق الأصول. كما يُشرف المجمع على امتحانات الكفاية اللغوية للمتقدمين للوظائف العامة، ما يعكس الحرص على رفع مستوى الأداء اللغوي في القطاع الحكومي. وإلى جانب ذلك، يُصدر المجمع مجلات ودوريات متخصصة تسهم في تعزيز المحتوى العلمي باللغة العربية.

اللغة العربية في النظام التعليمي الأردني

يُشكل التعليم أحد أقوى أدوات ترسيخ اللغة الرسمية في الوجدان الشعبي، وفي الأردن تُدرس اللغة العربية كمادة رئيسية منذ الصفوف الأولى وحتى التعليم العالي. تُشرف وزارة التربية والتعليم على إعداد المناهج وتحديثها دوريًا لتواكب العصر وتحافظ في الوقت نفسه على القواعد اللغوية الأصيلة. كما تُنظم مسابقات مدرسية تهدف إلى تعزيز مهارات الكتابة والخطابة باللغة العربية. أما في الجامعات، فلا تزال اللغة العربية تُستخدم بكثافة في التخصصات الأدبية والشرعية، مع وجود جهود لتعريب المناهج العلمية تدريجيًا.

اللغة العربية في الإعلام والإدارة الأردنية

يلعب الإعلام الأردني دورًا محوريًا في الحفاظ على اللغة الرسمية، إذ تُقدم الأخبار والبرامج بلغة فصيحة تراعي سلامة التعبير. وتحرص الهيئات الإعلامية على التزام الخطاب اللغوي السليم، خاصة في القنوات الرسمية مثل التلفزيون الأردني والإذاعة الأردنية. أما في الإدارة العامة، فتُستخدم اللغة العربية بشكل إلزامي في كافة المعاملات، من الوثائق الحكومية إلى القرارات الإدارية، وهو ما يُكرس وجودها اليومي ويمنع هيمنة اللغات الأجنبية على مجالات القرار والتواصل الرسمي.

اللغة العربية في القضاء الأردني

اللغة العربية تُستخدم حصريًا في المحاكم الأردنية، سواء في كتابة الأحكام أو في جلسات الاستماع. يُعد هذا الاستخدام الكامل دليلاً على رسوخ اللغة في المنظومة العدلية، ويُسهم في تعزيز مفهوم العدالة اللغوية التي تتيح للجميع فهم الإجراءات القانونية بلغتهم الأم. كما تُعد مرافعات المحامين وصياغة القوانين والتشريعات باللغة العربية أدوات فعّالة في ترسيخ اللغة ضمن الفضاء القانوني.

اللغة العربية والهوية الوطنية الأردنية

تُشكل اللغة العربية أساس الهوية الثقافية في الأردن، فهي الرابط الذي يجمع أبناء الوطن على اختلاف أصولهم ومناطقهم. تُستخدم في المراسلات الأسرية، وفي الأناشيد الوطنية، والخطب الدينية، مما يُجسد عمق ارتباط الأردنيين بلغتهم. في المناسبات الوطنية والدينية، يكون حضور اللغة العربية قويًا، حيث تُكتب القصائد، وتُلحن الأناشيد، ويُلقى الخطاب الوطني بها، ما يُظهر دورها كحامل رئيسي للذاكرة الجمعية.

التحديات التي تواجه اللغة العربية في الأردن

رغم المكانة المحمية للغة العربية في الأردن، إلا أن هناك تحديات واقعية تُهدد استمرارها كلغة مهيمنة، أهمها هيمنة اللغة الإنجليزية في بعض التخصصات الجامعية، خاصة في الطب والهندسة. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تشهد تراجعًا في استخدام الفصحى، لصالح اللهجات العامية أو حتى اللغات الأجنبية، ما يؤثر على الذوق اللغوي العام. يُضاف إلى ذلك تأثير الثقافة الاستهلاكية، حيث تنتشر أسماء المحال التجارية والمؤسسات بغير العربية، ما يُضعف من حضور اللغة في المشهد البصري العام.

الجهود الأهلية والمجتمعية لحماية اللغة

إلى جانب الجهود الرسمية، تُبذل مبادرات أهلية ومجتمعية لحماية اللغة، مثل حملات “العربية لساننا”، ودورات تقوية لغوية تُنظمها بعض الجمعيات الثقافية. كما تشهد الجامعات والمدارس مسابقات في الإملاء والخط العربي، تهدف إلى إعادة الاعتبار للغة الفصحى بين الأجيال الجديدة. وتُعد مبادرات القراءة المجتمعية وفعاليات الشعر والخطابة عناصر مكملة لمسار حماية اللغة وتعزيز حضورها.

خاتمة

تحتل اللغة العربية في الأردن مكانة لا يُستهان بها، فهي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل دعامة للهوية الوطنية، ومرآة للثقافة والتراث. ورغم ما تواجهه من تحديات في ظل العولمة، تبقى الجهود الرسمية والمجتمعية حائط الصد الأول في الدفاع عن هذه اللغة العريقة. ولا يمكن ضمان استمرار هذا الإرث العظيم إلا من خلال الالتزام باستخدام اللغة في التعليم والإعلام والإدارة، وتطويرها لتُصبح لغة علم ومعرفة قادرة على مواكبة المستقبل.