من التصرفات التي قد تُربك مربي الكلاب أو تثير لديهم الفضول هو رؤية كلبهم يدور حول نفسه مرارًا وتكرارًا. هذا السلوك قد يبدو في البداية عادياً أو حتى مضحكاً، لكنه في بعض الحالات يكون مؤشرًا على أمر أعمق من مجرد حركة عشوائية. تختلف الأسباب وراء هذا السلوك ما بين طبيعية وغريزية، وأحيانًا قد تكون صحية أو نفسية. لهذا من المهم أن يتعرف صاحب الكلب على أبعاد هذا السلوك ليتمكن من تمييز ما إذا كان سلوكًا عابرًا أم دليلاً على وجود مشكلة تستحق الانتباه. في هذا المقال، نستعرض تفصيليًا أبرز الأسباب والدلالات وراء دوران الكلب حول نفسه بكثرة، ونقدم نصائح للتعامل معه بشكل مدروس ومتزن.
أقسام المقال
السلوك الغريزي الموروث
الكثير من سلوكيات الكلاب المنزلية تعود بجذورها إلى عادات أسلافها البرّية مثل الذئاب. ومن بين هذه السلوكيات، يُعتبر الدوران حول النفس قبل الاستلقاء عادة موروثة تهدف إلى تمهيد مكان الراحة والتأكد من خلوه من أي تهديدات، سواء كانت حشرات أو شوائب أو رائحة غريبة. رغم أن الكلب المنزلي يعيش في بيئة آمنة، إلا أن هذا السلوك لا يزال يظهر بشكل طبيعي كجزء من برمجته الغريزية المتجذّرة في ذاكرته الجينية.
محاولة تحديد المساحة الشخصية
عندما يدور الكلب حول نفسه في مكان معين، فإنه قد يحاول تحديد منطقته الخاصة أو خلق مساحة يشعر فيها بالأمان. هذه الرغبة في تأمين موقع مريح تُعتبر أمرًا فطريًا، ويظهر بوضوح عندما يحاول الكلب الاستقرار في سرير جديد أو في مكان غير مألوف. يعكس هذا السلوك حاجته للشعور بالسيطرة على محيطه، حتى لو كان المكان خاليًا من أي تهديد حقيقي.
التفاعل مع المشاعر الإيجابية
الكلاب كائنات مرهفة تتفاعل بقوة مع مشاعرها، وعندما تشعر بالفرح أو الحماس قد تعبّر عن ذلك بحركات دائرية عشوائية وسريعة. تكثر هذه الحركات عند استقبال أصحابها بعد غياب، أو عند التجهيز للنزهة، أو حتى عند اقتراب موعد الطعام. في هذه الحالات، يُمكن اعتبار الدوران تعبيرًا مرئيًا عن الفرح والانفعالات الإيجابية، وهو سلوك صحي لا يدعو للقلق إذا ترافق مع نشاط عام جيد.
محاولة تفريغ الطاقة الزائدة
عندما لا يحصل الكلب على القدر الكافي من التمارين البدنية أو التحفيز الذهني، قد يلجأ إلى سلوكيات متكررة لتفريغ طاقته. ومن بين هذه السلوكيات الدوران حول نفسه، خاصة في المساحات الضيقة. يتكرر هذا التصرف في الكلاب التي تُترك وحدها لفترات طويلة، أو التي لا تحصل على فترات لعب كافية خلال اليوم. في هذه الحالة، يصبح من الضروري جدولة تمارين وأنشطة تفاعلية يومية لتحسين الحالة النفسية والجسدية للكلب.
علامة على القلق أو التوتر
في بعض المواقف، يُشير دوران الكلب إلى حالة من القلق أو التوتر. قد ينتج هذا التوتر عن تغييرات في الروتين، مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو دخول فرد جديد إلى العائلة، أو التعرض لصوت مزعج بشكل متكرر. يُمكن ملاحظة ذلك عندما يكون الدوران مصحوبًا بلعق الشفاه، أو شد العضلات، أو انحناء الذيل بين الأرجل. في هذه الحالات، من الأفضل خلق بيئة هادئة للكلب وتقديم الدعم العاطفي اللازم له.
مشكلات في الجهاز العصبي أو الأذن الداخلية
من الناحية الصحية، يمكن أن يكون الدوران مؤشرًا على وجود خلل في التوازن أو اضطراب عصبي. التهابات الأذن الداخلية مثلاً قد تؤثر على قدرة الكلب على حفظ توازنه، مما يجعله يدور بشكل لا إرادي. كذلك، بعض أمراض الدماغ مثل الأورام أو الالتهابات قد تؤدي إلى سلوكيات دائرية مستمرة. لذلك، من الضروري الانتباه إذا كان الدوران مصحوبًا بارتباك، فقدان توازن، أو تغيرات في النظرات أو المشي، والتوجه فورًا للطبيب البيطري للفحص.
السلوك القهري (Compulsive Behavior)
في حالات نادرة، قد يتحول الدوران إلى سلوك قهري يتكرر بشكل مفرط وغير مبرر، حتى في غياب أي مثير خارجي. يظهر هذا النوع من السلوك عادة في الكلاب التي تعاني من قلق مزمن، أو التي نشأت في بيئات غير مستقرة. من خصائص هذا السلوك أنه يصعب تشتيت انتباه الكلب عنه، وقد يتسبب له بإرهاق جسدي ونفسي. يحتاج هذا النوع من السلوك لتدخل احترافي يشمل جلسات تعديل سلوكي، وأحيانًا دعم دوائي تحت إشراف بيطري.
الفروقات حسب السلالة والعمر
ليست كل الكلاب تتصرف بنفس الطريقة عند الشعور بالحماس أو التوتر، حيث تلعب السلالة دورًا في تحديد طبيعة ردود الفعل. فبعض السلالات مثل البولدغ أو البج أقل حركة بطبيعتها، بينما سلالات مثل البوردر كولي أو الجاك راسل تظهر سلوكيات نشطة بشكل أوضح. كذلك، قد يزداد هذا السلوك مع تقدم العمر إذا بدأت الكلاب تعاني من التدهور المعرفي المرتبط بتقدم السن، والمعروف بمتلازمة الخرف الكلبي.
متى يجب القلق والتصرف؟
من الطبيعي أن يدور الكلب حول نفسه من حين لآخر، لكن تكرار السلوك بشكل مفرط ومصاحب لأعراض أخرى مثل فقدان الشهية، التقيؤ، صعوبة الحركة أو تغير السلوك الاجتماعي، يستدعي القلق. من المهم حينها مراقبة النمط الزمني للسلوك وتدوين ملاحظات حول الظروف المحيطة به، لعرضها على الطبيب البيطري أثناء التشخيص.
طرق التخفيف من السلوك المتكرر
إذا لم يكن السبب عضويًا، يمكن تقليل هذا السلوك من خلال أنشطة محفزة وممتعة، مثل الألعاب الذكية، التمارين الخارجية، وتدريبات الطاعة. كما يساعد خلق روتين يومي منتظم في تعزيز شعور الأمان لدى الكلب، مما يقلل من القلق والتصرفات غير الطبيعية. يُفضل أيضًا تزويد البيئة بألعاب مضغ وآمنة لإشغال وقت الكلب خلال فترات غياب المربي.
الخاتمة
دوران الكلب حول نفسه ليس دائمًا مدعاة للقلق، لكنه سلوك يستحق الانتباه والتقييم. من خلال فهم الأسباب المحتملة، سواء كانت بيئية، نفسية، أم صحية، يمكن للمربي اتخاذ خطوات عملية لحماية راحة كلبه وتحسين جودة حياته. كلما كان المربي أكثر وعيًا بسلوكيات كلبه، زادت قدرته على اكتشاف أي تغيرات مبكرًا والتصرف بحكمة للحفاظ على صحة وسعادة رفيقه الوفي.