ديانة تيسير إدريس

تيسير إدريس، اسم لمع في سماء الفن السوري بقوة، يحمل في جعبته قصة حياة تجمع بين الأصول الفلسطينية والنشأة السورية، مما جعل منه رمزًا للتمثيل الذي يعكس الهوية العربية بكل أبعادها. ولد في مدينة دوما بريف دمشق عام 1954 لأب فلسطيني هاجر من قرية الطيرة في حيفا بعد نكبة 1948، وأم لبنانية، ليكبر في بيئة تجمع بين ثقافات متعددة وتجارب حياة فريدة. بدأ مشواره الفني من مسارح المخيمات الفلسطينية في السبعينيات، حيث شكّل وعيه الفني والإنساني، لينتقل بعدها إلى مسارح دمشق ومن ثم إلى شاشات التلفزيون والسينما، مخلفًا بصمة لا تُنسى في الدراما العربية. شخصيته القوية وصوته المميز جعلاه واحدًا من أبرز الممثلين الذين جسدوا قضايا الشعب الفلسطيني والعربي بصدق وإخلاص.

ما هي ديانة تيسير إدريس؟

تيسير إدريس مسلم، وهي ديانته التي يعتنقها كجزء من هويته العربية التي نشأ عليها في سوريا لأب فلسطيني وأم لبنانية. هذا السياق الثقافي والاجتماعي الذي ترعرع فيه يتماشى مع الغالبية العظمى في المنطقة، حيث يشكل الإسلام الديانة السائدة. أدواره التي غلب عليها الطابع الديني والتاريخي، مثل شخصية “الزبير بن العوام” في مسلسل “القعقاع بن عمرو التميمي”، تُظهر انسجامًا واضحًا مع الثقافة الإسلامية، مما يعكس ارتباطه العميق بهذا الإرث. على الرغم من أن تيسير إدريس لم يتحدث كثيرًا عن تفاصيل حياته الدينية، إلا أن أعماله الفنية تبرز دائمًا التزامه بقضايا الأمة العربية والإسلامية بكل صدق وشغف.

نشأة تيسير إدريس في مخيمات اللجوء

ترعرع تيسير إدريس في مخيمات اللجوء بدمشق، وهي بيئة شكلت جزءًا كبيرًا من شخصيته الفنية والإنسانية. نشأته بين اللاجئين الفلسطينيين جعلته قريبًا من هموم الشعب الفلسطيني ومعاناته، وهو ما انعكس لاحقًا في اختياراته الفنية. في تلك المخيمات، بدأ حبه للمسرح يتشكل، حيث كان يشارك في العروض التي تُقام هناك، معتمدًا على موهبته الطبيعية وشغفه بالتعبير عن القضايا الاجتماعية والوطنية. هذه التجربة لم تكن مجرد بداية مهنية، بل كانت نواة لوعي فني جعله لاحقًا واحدًا من أهم الأصوات التي تحمل هموم الأمة.

بدايات تيسير إدريس الفنية مع المسرح

كانت أولى خطوات تيسير إدريس في عالم الفن عبر المسرح، حيث شارك في مسرحية “وجوه عبر الموت” عام 1970 مع المخرج زيناتي قدسية. هذا العمل المسرحي شكّل انطلاقته الحقيقية، حيث لفت الأنظار بأدائه المميز الذي يجمع بين العمق والصدق. بعدها، خضع لدورة تدريبية لإعداد الممثلين تحت إشراف فنانين كبار مثل يوسف حنا وعبد الله عباسي، مما صقل موهبته وفتح له أبواب مسارح دمشق. شغفه بالمسرح لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر لسنوات طويلة، حيث عمل في المسرح القومي والتجريبي، مقدمًا أعمالًا تعبر عن الواقع العربي بكل تفاصيله.

انتقال تيسير إدريس إلى التلفزيون

بعد مسيرة طويلة في المسرح استمرت لأكثر من عقد، انتقل تيسير إدريس إلى عالم التلفزيون بنصيحة من أستاذه يوسف حنا، ليبدأ مرحلة جديدة من الشهرة والتأثير. أولى مشاركاته التلفزيونية كانت في مسلسل “البركان” عام 1989، حيث أثبت قدرته على تقديم أدوار متنوعة تجمع بين القوة والعاطفة. هذا الانتقال لم يكن مجرد تغيير في الوسيط الفني، بل كان خطوة كبيرة جعلته وجهًا مألوفًا في كل بيت عربي، معتمدًا على صوته العميق وتعبيراته التي تترك أثرًا في نفوس المشاهدين.

أهم أعمال تيسير إدريس في التسعينيات

شهدت التسعينيات تألق تيسير إدريس في عدد من الأعمال التلفزيونية التي تركت بصمة واضحة، مثل “أبو كامل” عام 1991 و”الدغري” عام 1992. كما حصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان دمشق التاسع عام 1995 عن فيلم “صعود المطر” للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، وهو ما يعكس تميزه في السينما أيضًا. هذه الفترة كانت ذروة نشاطه الفني، حيث قدم أدوارًا متنوعة أظهرت قدرته على الانتقال بين الدراما الاجتماعية والتاريخية بسلاسة.

تيسير إدريس في الأعمال التاريخية

مع بداية الألفية الجديدة، برز تيسير إدريس في الأعمال التاريخية التي أصبحت علامة مميزة في مسيرته. من أبرزها دوره في مسلسل “القعقاع بن عمرو التميمي” عام 2010، حيث جسد شخصية “الزبير بن العوام” ببراعة، بالإضافة إلى “خالد بن الوليد” عام 2006. هذه الأدوار أظهرت قدرته على تقمص الشخصيات التاريخية بكل تفاصيلها، معتمدًا على حضوره القوي وأدائه المتقن الذي يعكس روح العصر الذي يصوره.

موقف تيسير إدريس من الحرب السورية

مع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، اختار تيسير إدريس البقاء في بلده رغم مغادرة العديد من الفنانين. نفى الشائعات التي تحدثت عن هجرته إلى أوروبا، مؤكدًا تمسكه بأرضه التي احتضنته طوال حياته. في تصريحات صحفية، أوضح أن زيارته لابنته في السويد كانت شخصية ومؤقتة، وأنه عاد بعد 18 يومًا ليواصل عمله الفني، معبرًا عن حبه العميق لسوريا ورفضه لفكرة الهجرة حتى في أصعب الظروف.

حياة تيسير إدريس العائلية

تيسير إدريس متزوج وأب لأربعة أبناء، ويحرص دائمًا على إبقاء حياته الشخصية بعيدة عن الأضواء. زيارته لابنته المقيمة في السويد مع زوجها وابنها تُظهر مدى ارتباطه بأسرته، لكنه يفضل أن تظل تفاصيل حياته الخاصة بعيدة عن وسائل الإعلام. هذا الجانب من حياته يعكس شخصيته الهادئة التي تركز على الفن كوسيلة للتعبير بدلاً من استغلال الحياة الشخصية لجذب الانتباه.

زيارة تيسير إدريس لفلسطين

في عام 2009، حقق تيسير إدريس حلمًا طال انتظاره بزيارة فلسطين ضمن وفد من الفنانين الفلسطينيين المقيمين في سوريا. وصف هذه التجربة بأنها كدخول الجنة، مستذكرًا كلمات والده الشيخ زامل إدريس الذي قال له: “إن شممت رائحة فلسطين وأمسكت ترابها فسوف تدخل الجنة”. هذه الزيارة كانت لحظة فارقة في حياته، عكست ارتباطه العميق بجذوره الفلسطينية وحبه لأرضه الأم.

أحدث أعمال تيسير إدريس

في السنوات الأخيرة، واصل تيسير إدريس تألقه مع أعمال مميزة مثل مسلسل “ولاد بديعة” في رمضان 2024، حيث قدم شخصية “أبو الوفا” التي لاقت تفاعلاً كبيرًا من الجمهور. كما شارك في “بيت أهلي” بدور “أبو أسعد”، وهي شخصية جديدة عليه من حيث الشكل والمضمون. هذه الأعمال تؤكد استمرارية حضوره الفني القوي وقدرته على التجديد حتى بعد عقود من العطاء.

باقي أعمال تيسير إدريس البارزة

إلى جانب الأعمال المذكورة، قدم تيسير إدريس مجموعة كبيرة من الأعمال التي تستحق الإشادة، مثل “تمر حنة” (2001)، “حاجز الصمت” (2005)، “الهاربة” (2007)، “سفر الحجارة” (2009)، “الزعيم” (2011)، “غداً نلتقي” (2015)، و”باب الحارة 10″ (2019). هذه الأعمال، سواء كانت اجتماعية أو تاريخية، أظهرت تنوعه الفني وقدرته على التماهي مع مختلف الأدوار، مما جعله واحدًا من أبرز نجوم الدراما السورية.