عادات الزواج في أفغانستان 

تُجسّد عادات الزواج في أفغانستان عمق التقاليد المتوارثة بين الأجيال، حيث تُعد هذه المناسبة واحدة من أبرز المناسبات الاجتماعية التي تكشف عن الهوية الثقافية الغنية لهذا البلد. وعلى الرغم من التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها أفغانستان، لا تزال مراسم الزواج تُقام وفق طقوس راسخة تحافظ على روح الانتماء والكرامة والاحترام بين العائلات. كما تُعبر هذه العادات عن تمازج قيم الإسلام بالعادات القبلية، وتُشكّل مشهدًا غنيًا بالتنوع بين المناطق والمدن.

الخطوبة في أفغانستان

تبدأ خطوات الزواج بمرحلة الخطوبة، وتُعرف محليًا باسم “خواستگاری”، وفيها يقوم والد العريس أو أحد كبار رجال العائلة بزيارة بيت العروس لتقديم طلب الزواج. وغالبًا ما يكون هذا الطلب قد تم التلميح له سابقًا من خلال الأقارب أو النساء من الجانبين. وإذا أبدت العائلة قبولها المبدئي، يُحدَّد موعد رسمي لزيارة ثانية أكثر جدية تُناقش فيها التفاصيل الدقيقة مثل المهر وتاريخ الزواج. أحيانًا يُطلب من العريس أن يُظهر استعداده المادي من خلال تقديم الهدايا الرمزية أو الإشارة إلى قدرته على الإنفاق. تُعد هذه المرحلة اختبارًا للتوافق الاجتماعي والاقتصادي بين العائلتين.

المهر في الزواج الأفغاني

يُولي المجتمع الأفغاني أهمية كبيرة للمهر، والذي يُعرف محليًا باسم “مهر” أو “قَلین”، ويُقدَّم عادة من العريس لعروسِه ويُحدَّد بعد مشاورات طويلة. ويختلف المهر بحسب القبيلة والمنطقة والوضع المادي للطرفين. في بعض الحالات، يُطلب من العريس تقديم ذهب، قطيع ماشية، أراضٍ، أو مبالغ مالية كبيرة، مما يضع عبئًا ماليًا ضخمًا على الشباب، ويدفع أحيانًا إلى تأخير الزواج أو اللجوء إلى القروض. هناك أيضًا من يرفضون المغالاة في المهر، ويكتفون بمبالغ رمزية دعمًا لتيسير الزواج.

ليلة الحناء في الثقافة الأفغانية

ليلة الحناء من الطقوس المهمة قبل الزفاف وتُعرف باسم “شَبِ حنا”. تقام في منزل العروس بحضور الأقارب والجارات، حيث توضع الحناء على يدَي وقدمي العروس في أجواء احتفالية مليئة بالغناء والرقص الشعبي وترديد الأهازيج النسائية. كما يُحضَّر الطعام التقليدي وتُقدَّم الحلويات مثل الحلوى المصنوعة من السميد أو العسل. في بعض المناطق، يُقام احتفال مشابه للعريس أيضًا، حيث تُقام وليمة صغيرة ويُزيَّن وجهه بالحناء كرمز للبهجة والاستعداد لبداية حياة جديدة.

يوم الزفاف في أفغانستان

يوم الزفاف في أفغانستان يُعدّ من أضخم الأيام في حياة العائلة، حيث تُقام الولائم الكبيرة ويُدعى المئات من الضيوف من كافة أنحاء المدينة أو القرية. غالبًا ما يُجرى عقد القران الشرعي قبل الحفل بيوم أو في نفس اليوم، بحضور شيخ أو عالم ديني يشهد على العقد. تُقدَّم المأكولات التقليدية مثل “البالاو الكابلي”، والأرز بالزبيب واللحم، وتُقدَّم العصائر والحلوى. يُرتدي العروسان ملابس تقليدية مطرزة بألوان زاهية، وغالبًا ما تتزين العروس بحلي ذهبية وأوشحة مخملية. وتُقام في المساء حفلات موسيقية ورقصات تراثية مثل رقصة “أتان” الجماعية.

حفلات الزواج الجماعي في أفغانستان

أمام التحديات الاقتصادية المتزايدة، ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة حفلات الزواج الجماعي، خاصة في العاصمة كابل وبعض المحافظات الكبرى. تُنظمها جهات خيرية أو رجال أعمال، ويتم خلالها تزويج عشرات الأزواج في يوم واحد داخل قاعة احتفالات مشتركة. تُقدَّم الهدايا والدعم للعائلات الجديدة، وتُقلَّص التكاليف بشكل كبير. هذه المبادرة حظيت بترحيب واسع كونها تسهم في التصدي لمعضلة غلاء المهور وتكاليف الأعراس، وتعزز التضامن الاجتماعي.

الزواج القسري في بعض مناطق أفغانستان

رغم التطورات، لا تزال بعض العادات السلبية قائمة في عدد من المناطق الريفية، ومنها الزواج القسري الذي تُجبر فيه الفتيات على الزواج في سن مبكرة دون موافقتهن. تُعتبر هذه الممارسة جزءًا من أعراف قبلية تقليدية، حيث تُستخدم الفتيات كوسيلة لحل النزاعات أو توطيد التحالفات. تُعرف بعض هذه الزيجات باسم “بدل” أو “بدل با بدل”، حيث يُزوَّج أحد أفراد العائلة مقابل زواج آخر من العائلة المقابلة. وقد واجهت هذه الظواهر انتقادات حقوقية واسعة، مما دفع الحكومة والمنظمات النسوية لمحاربتها ورفع الوعي بحقوق الفتيات.

الزواج المتعدد في المجتمع الأفغاني

ينص القانون الإسلامي على إباحة الزواج بأربع زوجات، بشرط العدل بينهن، وتُمارَس هذه العادة في بعض الأوساط الأفغانية، خاصة في المجتمعات الريفية والقبلية. غالبًا ما يكون الدافع وراء الزواج الثاني أو الثالث هو عدم إنجاب الزوجة الأولى، أو لأسباب تتعلق بالعلاقات العائلية والميراث. ومع ذلك، ظهرت دعوات لتقنين هذه الظاهرة ومنع استغلالها، خصوصًا بعد حالات عجز الأزواج عن الوفاء بواجباتهم تجاه أكثر من زوجة.

تأثير النزاعات على الزواج في أفغانستان

تسببت عقود من الحرب والنزاعات المسلحة في تغيير الكثير من العادات الاجتماعية، ومنها الزواج. فبسبب التهجير والفقر، اضطرت آلاف الأسر لتزويج بناتها مبكرًا خوفًا من الفقر أو للحماية من التهديدات الأمنية. كما أثّرت النزاعات على طقوس الأعراس التي أصبحت أكثر بساطة أو تُجرى بسرية. بعض العائلات فضّلت الهروب إلى الدول المجاورة لإتمام زواج أبنائها في أجواء أكثر أمنًا، مما أفرز طبقة من المهاجرين ذوي العادات المختلطة بين المحلية والمستوردة.

الزواج الإلكتروني في أفغانستان

في السنوات الأخيرة، بدأ يظهر توجه جديد في أوساط الشباب الأفغاني من الطبقة المتعلمة نحو استخدام الإنترنت والتطبيقات الاجتماعية في التعارف والزواج. على الرغم من المعارضة الاجتماعية في بعض المناطق، فإن عددًا من القصص الناجحة شجعت الشباب على كسر الحواجز التقليدية. هذه الطريقة أتاحت فرصًا أكبر لاختيار الشريك المناسب بعيدًا عن الضغوط العائلية. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لرقابة مجتمعية وحوار ثقافي منفتح لتفادي إساءة استخدام هذه الوسائل.

الزواج في أفغانستان: قيمة راسخة في المجتمع

في المحصلة، يبقى الزواج في أفغانستان رمزًا مقدسًا وأساسًا لبناء الأسرة والمجتمع. رغم التحديات، لا تزال العائلات تُولي هذا الحدث أهمية خاصة وتحتفل به بكل ما أوتيت من حب وفخر، كونه ليس مجرد ارتباط شخصي بل مناسبة لتأكيد الهوية والانتماء. وبينما تتغير بعض العادات بفعل الحداثة والعولمة، يظل الجوهر واحدًا: احترام التقاليد وتكريم الروابط العائلية والاجتماعية التي تُشكّل نسيج المجتمع الأفغاني.